صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/229

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٠٧ –

وكبار الأعيان ، فكان يرأس الجميع ( خليل أغا » . كان من خصاله أنه ينتج ويسبح ، ويغصب ويبنى مدرسة . فما عبد الله نديم إذا غضب عليه خليل أغا العظيم ؟! إذا غضب عليه غير خليل أغا فصل من وظيفته ، ولكنه إذا غضب عليه خليل أغا ضرب وطرد ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت . سدت في وجهه أبواب الرزق فى القاهرة كما سُدت في الإسكندرية ، وانتهى به الأمر إلى أن ينزل على عمدة من عمد الدقهلية يقيم عنده ويعلم أولاده ؛ ثم ما لبث أن تخاصم مع العمدة . فأما العمدة فيرى أنه اكله وأسكنه مقابل تعليم أولاده ، وأما عبد الله نديم فيرى أن هذا حق الضيف ويبقى له أجر التعليم . واختلفت وجهة النظر ، وتشادًا ثم تساباً ، وعَلَى مِرْجَل عبد الله نديم . فكان ذلك نعمة على أدبه إذ انفجر المرجل، وتدفق عبد الله نديم يصوغ في هجاء العمدة أدباً لاذعاً ، تدفعه عاطفة حادة ، فعرف نفسه أديباً ، وعرفه مَنْ حَوْلَهُ لَسِنَاً يملك ناصية القول واتصل أمره بعين من أعيان المنصورة ذى مروءة ، فاستدعاه وأكرمه ، وفتح له دكانا يبيع فيه المناديل وما إليها ، فاتخذ دكانه متجراً للمناديل ومجمعاً الأدب ، يجتمع فيه بعض أصحابه يتذاكرون الأدب، ويتناشدون الأشعار، ويتبادلون النوادر ، وبين هذا وذاك تأتى شارية المنديل، أو شار لعصابة . وكانت هذه العادة فاشية فى المدن ، فقد يكون التاجر ذا ثقافة فقهية أو أدبية فيتخذ أصحابه من دكانه مكاناً للبحث فى الفقه أو الحديث في الأدب ، إذ لم تكن قد غزتنا المدنية الأوربية فعلَّمتنا التخصص، وأن مكان التجارة للتجارة فقط ، وأما الحديث فى العلم والأدب فله مكان آخر . وقد أدركنا في أول زماننا شيئاً من هذا ، فكانت بعض الدكاكين مدارس ، وخاصة في الأدب ، لأن الأدب لم