صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/230

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٠٨ –

- ۲۰۸ - يكن بدر رزقاً ، وإنما هو فنّ للمتعة . وكثير من أدباء عصر عبد الله نديم كان من هذا الطراز ، فحسن أفندى عبد الباسط - الأديب الشاعر الهجاء - كان في بعض أيامه يفتح دُكان عطارة فى الزقازيق ، ويجتمع به في دكانه أدباء الزقازيق وظرفاؤها ؛ والشيخ أحمد وهبي الشاعر الأديب كان له وكان طرابيش بالغورية ، وكانت مجتمع الأدباء والشعراء . ولكن أكثر هؤلاء لم ينجحوا في تجارتهم ، فالأديب فنان ، والفنان - فى الغالب - سمع يقدر الذوق الفني أكثر مما يقدر الدرهم والدينار ، والتجارة تحتاج إلى الضبط والدقة ، والعناية بالإيراد والصرف ؛ والفنان - عادة - طليق لا تطيق نفسه القيود والحدود. على كل حال وجد عبد الله نديم بعد برهة دكانه وليس فيها مناديل ولا جوارب ولكن جماعة يناشدون الأشعار ، ويستهلكون ولا يغلون ، فأغلق دكانه وطوف بالبلاد ينزل ضيفاً على هواة الأدب ؛ إلى أن نزل بطنطا ، وصادف مولد من السيد ، فكانت له حادثة ظريفة لفتت إليه الأنظار وشهرته بين الناس . وكانت البيوت أعظم شأناً من الدكاكين في أنها مجتمع الأصدقاء من ذوى العلم والفن ، يسمرون فيها السمر اللذيذ ويتحدثون الحديث الظريف ؛ هذا بيته منتدى الأدباء ، وهذا بيته مجمع الفقهاء ، وهكذا ، فيكاد كل رجل يعرف مكانه هذه البيوت على حسب ذوقه وميله ، ويكثر ذلك في طبقة الأوساط والأغنياء من ذوى الميل العلمى والفنى ؛ وأدركت فى حارتنا المتواضعة ثلاثة بيوت من هذا القبيل ، كان صاحب أحدها قاضياً شرعياً كبيراً ، فكان بيته منتدى الفقهاء والعلماء يتسامرون عنده فى الدين والفقه ؛ والثانى موظفاً طريقاً يسمر عنده أصحابه بالأخبار والفكاهات، ليلة يدعون قارناً جميل الصوت، وأحيانا فكها حسن الحديث ؛ والثالث دفافا يضرب على الدف في الأفراح ، فكان عنده كثير من هواة الآلات الموسيقية ، يحيون عنده الليالى الملاح حتى الصباح . فما بالك