صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/236

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢١٤ –

نحو ما صرنا به مثلةٌ (1) فى الوجود ، من ركوب من الغواية ، واتباع الهوى ، اللذين أضلا نا سواء السبيل » . وفى الحق إن هذه الصحيفة كانت عجباً فى موضوعاتها وأسلوبها . انظر العدد الأول ، تجد تنكيتاً وتبكيتاً لأكبر المصائب التي كان يحسها ذلك العصر : مقال عنوانه « مجلس طبي لمصاب بالأفرنجى » ، وهي قصة شاب صحيح البنية ، قوى الأعصاب ، جميل الصورة ، لطيف الشكل ، في رقة ألفاظ وعذوبة كلام ، وفى عزة ومنعة لا يشاركه فيها مشارك ، يلتف حوله أهله يعززونه ويؤازرونه حتى لا تمتد إليه يد عدوّ ، ولا حيل محتال . و بينا هو في ذلك تسلل إليه أحد الماكرين يتظاهر بالصلاح والتقوى ، ويضمر الختل والغدر، فأسلمه أهله إليه انخداعاً به. فعرضه هذا الماكر على الأسواق بريه من الغواني من تعارض الشمس بحسنها ، وتكيف البدر بنورها ، فمائع حيناً، ولكنه رأى أهل بيته قد وقعوا فى مثل هذه الغواية، وانفسوا في مثل هذه الضلالة، فسار سيرهم ، وترك النفار والإباء ، وسار فى الطريق الذي رسمه المنافق الخادع ، فما سار فيه حتى أصيب بالداء الأفرنجى (الزهرى) فاصغر وجهه ، وارتحت أعضاؤه ، وذهبت بهجته ، وغارت عيناه ، وتشوه وجهه ، وتبدلت محاسنه بقبائح تنفر منها الطباع ، وتمكن الداء منه ، وسرى في دمه وعروقه ، فصار يقلب أطَرْفه لعله يجد من قومه من ينقذه من مرضه . واجتمع الأطباء من قومه يفحصون الجسم ، ويشخصون مرضه ، ويقفون على أصله ، ويركبون الدواء ليقف سريان الداء ، وتعلق بهم أهل المريض يسألونهم الإسراع في معالجته ، والاجتهاد في دفع مصابه ، فطمأنهم الأطباء ونصحوا لهم بالهدوء والتحرز من كانوا السبب في الداء ، حتى لا يُفسدوا العلاج ؛ (1) المثلة : ما حدث لقوم من عذاب يكونون به عبرة لمن بعدهم .