صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/24

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-11- الخصومة بين البدو والحضر، فمن قدر من البدو على خطف شيء من الحضر فعل ، ومن قدر من الحَضَر على التنكيل بيدو فعل ؛ والطرق غير مأمونة ، والسلب والنهب على أشدهما ، وسلطة الخلافة فى الآستانة تكاد تكون سلطة اسمية ، ومظهرها تعيين الأشراف في مكة وإمدادهم ببعض الجنود وكفى لقد بدأ « محمد بن عبد الوهاب » يدعو دعوته - التي ذكرناها - في لين ورفق بين قومه . ثم أخذ يرسل الدعوة لأمراء الحجاز والعلماء في الأقطار الأخرى حانا لهم على استنهاض الهم في مكافحة البدع والرجوع إلى الإسلام الصحيح . كم من المصلحين دعوا مثل هذه الدعوة ، ولكنها مرت بسلام ، وإن شابها شيء فيجن الداعي أو التشهير به، ورميه بالكفر أو الزندقة ، ثم ينتهى الأمر ويعود الناس سيرتهم الأولى ؛ بل نرى من قام بمثل هذه الدعوة - فعلا - في المغرب كالشيخ أبي العباس التيجانى ، فقد أمر بترك البدع ونهى عن زيارة القبور ، وكثرت أتباعه حتى بلغت مئات الألوف ، ولكن لم يلفت الناس والحكام أمره كما لفتهم محمد بن عبد الوهاب ؛ وكذلك الشيخ محمد عبده دعا مثل هذه الدعوة فأجابه بعضهم ، وأنكر عليه بعضهم ، ثم أسدل الستار . فما السبب في نجاح الدعوة الوهابية دون الأخرى ؟ . السبب فى هذا ما أحاط بالدعوة الوهابية من ظروف لم تتهيأ لغيرها . فقد اضطهد في بلده المبينة ، واضطر أن يخرج منها إلى الدرعية مقر آل سعود، وهناك عرض دعوته على أميرها محمد بن سعود فقبلها ، وتعاهدا على الدفاع عن الدين الصحيح ومحاربة البدع، ونشر الدعوة في جميع جزيرة العرب باللسان عند من يقبلها ، وبالسيف عند من لم يقبلها ؛ وإذ ذاك دخلت الدعوة في دور خطير ، وهو اجتماع السيف واللسان ، وزاد الأمر خطورة نجاح الدعوة شيئاً فشيئاً ، ودخول الناس أفواجاً فيها ، وإخضاع بعض الأمراء بالقوة لحكمها ،