صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/248

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٢٦ –

٢٢٦ - فيقول النديم : ألا تعجبون لما أبدى هذا التلميذ في خطبه من العلم والبيان والتفنن في المواضيع ، مع أن جلادستون خطيب إنجلترا لا يتناول إلا موضوعاً واحداً ؟ ! و يخطب مصطفى ماهر فيقول النديم : ( أشهدكم أيها الناس أن أمةً يكون هذا مقدار استعداد التلميذ فيها لا يغلبها أحد في أمرها » . على كل حال كان عبد الله نديم لسان الأمة فى عهده بخطبه ، وقلتها بصحفه ، ينتقل في الأقاليم ولا يكل ولا يمل ، وينشر آراءه ومشاعره في أكبر عدد ممكن من الأمة . وبذلك كله ساعد على نموّ رأى عام مصرى يؤمن بالحكم الشورى" ، ويتطلع إلى الإصلاح في الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . فإن كان السيد جمال الدين رسول الخاصة فى هذه المعانى ، فعبد الله نديم كان رسول العامة ؛ قطر المعاني التي يدعو إليها جمال الدين إلى الشعب ، وأوصلها إلى التاجر في متجره ، والفلاح في كوخه ، والتلميذ في مدرسته . كان السيد جمال الدين بحكم أرستقراطيته في نشأته وثقافته ، والبيئة التى تحيط به ، ولغته في كلامه وكتابته ، معلم الخاصة ؛ وكان عبد الله نديم بحكم ديمقراطيته في النشأة والعلم والبيئة واللغة معلم العامة . لسنا الآن بصدد الحكم على الثورة العرابية وما نفعت وما أضرت ، والمسئولين عنها ، والمآخذ عليها ، وإنما كل ما يعنينا الآن أن نقول : إنه إذا تبخرت أقواله التي دعت إليها فورة الثورة ، وتبخرت أنواع تهريجه وتهويشه ، بقى لنا جانب كبير من جوانب نفع عبد الله نديم فى هذه الحركة، وهو إيقاظ الشعور في الشعب بحقه فى الشكوى من الظلم ، والمطالبة بالعدل ، وإفهامه أن الحاكم يجب أن يكون مسئولا أمامه، وأن هناك نوعاً جديداً من الحكم غير الذي ألفه : من رجوع الأمور كلها إلى إرادة الحاكم يفعل ما يشاء ، ولا يسأل عما يفعل ، وهذا النوع الجديد هو حكم البلاد نفسها بنفسها ممثلا فى نوابها ، وأن مصر