صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/250

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٢٨ –

- ۲۲۸ - ملح ذاب ؛ تجد الحكومة وتضع له الأرصاد ، وتوجه كل قوة للبحث عنه ؟ ويبعث كل من سلطان باشا ورياض باشا منشوراً لرجال الإدارة بالجد والنشاط للقبض عليه ؛ وتعلن مكافأة ألف جنيه لمن يرشد عنه ، والعقوبة القصوى لمن يخفيه ، فيذهب كل ذلك سُدى ، مدى نحو عشرة أعوام ؛ وهو في كل أموره يحتال حيلا أين منها حِيَلُ أبي زيد الروحِي في مقامات الحريري ؟ ويمثل روايات أين منها الروايات البوليسية المعروفة ؟ . لقد أعيا الحكومة أمره ، فأصدرت عليه حكم غيابيا بالنفى المؤيد من القطر المصرى" . ها هو ذا أول مرة يذهب إلى « بولاق» ويستخفى عند صديق له وفي أياماً حتى يخف عنه الطلب ، فيخرج وقد لبس « زهبوطاً ، أحمر ، واعتم بعامة حمراء ور بط عينيه بمنديل ، وأطال لحيته ، وأمسك مكازاً طويلا، وتصنع أنه من مشايخ الطرق، ونزل في سفينة مع خادمه إلى بنها ، فلم يفطن له أحد . وجزع خادمه وكان أمياً ، وأراد أن يرجع إلى أهله ، فأيقن « النديم » أنه إذا عاد انكشف أمره ، فأخذ يقرأ الجريدة يوماً ، ثم تصنع الفزع وقال : « لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم » . فسأله الخادم عما أفزعه ، فقال ( النديم » : إن الحكومة قد جعلت لمن يرشدُ عنى ألف جنيه ، ولمن يأتيها برأسك خمسة آلاف . فخاف الخادم، وأخذ يبالغ فى التنكر أكثر من سيده ، واستراح من هذا الباب ، وظل معه طول مدة الاستخفاء . وقال هو عن نفسه في هذه الفترة : خرجت من مصر مستخفياً فدرت في البلاد متنكراً ؛ أدخل كل بلد بلباس مخصوص وأتكلم فى كل قرية بلسان يوافق دعواى التي أدعيها ، من قولى إلى مغربي أو يمنى أو مدني أو فيومي أو شرقاوى أو نجدى ؛ وأصلح لحيتى إصلاحاً يوافق (1) الأرصاد : أى الجواسيس .