صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/252

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٣٠ –

السودان واتصل بالمهدى وصار له نديما ، وقال قوم إنه سارع في السفر إلى سيلان » للاجتماع بعرابي ؛ والحقيقة فيما نعلم أنه أتى باريس في الأيام الأخيرة ، و نشر فيها مقالة أتى فيها على ذكر الحرب العرابية ، وندد بالمصريين ، ونسب إليهم الضعف والجبن » إلخ . ومنها عطف بعض الناس عليه ، وإيمانهم بأن المروءة تقضى عليهم - وقد نزل بساحتهم - أن يخفوا أمره إذا علموا ، وأن يساعدوه على الاستخفاء مهما أغروا بالمال ، كالذى كان من عمدة ( العنوة ) بمديرية الغربية ، وهو الشيخ محمد » الهمشرى فقد نزل عنده وعرفه بنفسه، فأكرم مثواه ، وأقامه في داره أكثر من ثلاث سنوات فى مكان منعزل له باب خاص ، وزوجه ، وزوج خادمه ، فلما تُوفَّى دعت زوجته أكبر أولادها ، وقالت له : هل تطمع في المكافأة أو تكون كأبيك شهما تحفظ الجار وتحمى اللاجى ؟ فوعدها بأن يكون كأبيه في حفظه ، ووفى بذلك ، حتى أحسن ( النديم » بوشاية واش ، فخرج من عندهم حامداً مروه تهم. وصادفه مرة مأمور مركز شركسي ، والنديم في تنقله بين البلاد، فعرفه ، فصرف جنده ثم اختلى به ، وقال : لا ضرورة لتنكرك فقد عرفتك ، وأعطاه ما معه من نقود ، ورسم له خطة السير فى طريقه حتى لا يُضبط . وكان في أول أمره شديد الحنين لأبيه وأمه وأخيه ، لا يعرف ما صاروا إليه ، شديد الشوق المعرفة كتبه وتآليفه وأوراقه التى تركها في بيته بالإسكندرية ، ثم وسط الصديق الفرنسي أن يتعرف كل ذلك ويأتيه بالأخبار . فعرف الفرنسي عند أن أسرته تشتتت والناس تنكروا لهم، والأرصاد وضعت حولهم ، وأن أباه يقيم قريبة له في الريف ، وأن كتبه وتآليفه التى أنفق فيها تسعة عشر عاماً ، عندما ضربت الإسكندرية وهاجر منها أهلها وضعها أبوه في ثلاثة صناديق كبار وشحن بها عربة من عربات السكة الحديدية ، فلما وصلت إلى كفر الزيات ازدحم