صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/253

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٣١ –

على القطار المسافرون من المهاجرين ازدحاماً هائلا ، فلم يسع رجال المحطة إلا أن برموا جميع ما بالعربة فى النيل، ومنها الصناديق الثلاثة وفيها كل ثروته العقلية . ثم لما هدأت الأحوال وخف عنه الطلب كان يتصل بأبيه وأخيه اتصالا منظماً. وتأتى عليه أزمات ثم تنفرج ، فهذا عيد الأضحى وهو فى « برية المندرة » يسكن وسط الحقول ، لا يُساكنه أحد إلا زوجته ، ولا يجد القوت الضروري ، ويأتيه خادمه الذى يسكن بعيداً عنه يشكو له البؤس والفقر وعدم القوت في يوم العيد ؛ فما هو إلا أن يبعث له رجل من أهل البر والمروءة بما يملأ بيته قمحاً وعسلا و سمتاً وثياباً ، كما يبعث الأطلس والحرير للبس زوجته ، وشيئاً من ذلك للخادم وزوجته . وأتيح له من الفراغ ما مكنه من إكمال نفسه بالدراسة والتأليف، فكان إذا اطمأن فى قرية قرأ ما تصل إليه يده من الكتب ؛ وكانت مكتبته في هذه الأيام مكتبة خفيفة يسهل حملها إذا دعا داعى الرحيل السريع : فكانت تفسير القرآن لأبي السعود ، وقاموس الفيروزآبادى ، و « الوافي » في المسألة الشرقية لأمين شميل ، وجغرافية ملطبرون الذى ترجمه الشيخ رفاعة . وألف فيها يعين له في الدين والتاريخ ، فكان هذا نعمة عليه لم يستطعها في أيامه الأولى . كتب الصديق له في هذه الفترة يقول : ( إن سألت عنى فأنا بخير وعافية ، وحالة رائقة صافية ، لا أشغل فكرى بما يأتى به الليل إذا كنت بالنهار ، ولا أتعب ذهنى بتوالى الخطوب والأكدار ، ولا أتألم من طول المدة ، ووقع الشدة ؛ لاعتقادي أن لكل شدة مدة متى انتهت جنّت الأوحال ، وحسنت الحال ؛ فترانى فكرى گلیمى ، وقلمى قديمى - تارة أشتغل بكتابة فصول في علم الأصول ؛ وأجمع عقائد أهل السنة ، بما تعظم بها الله المنة ؛ وحينا أشتغل بنظم فرائد ، في صورة قصائد ؛ ووقتاً أكتب رسائل مؤتلفة ، فى فنون مختلفة ؛ وآونة أكتب في التصوف والسلوك ، وسير الأخبار والملوك ؛ وزمناً أكتب في العادات والأخلاق