صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/255

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٣٣ –

۲۳۳ - استخفى مرة فى قاعة مظلمة لا يتوصل إليها إلا من سرداب طويل مظلم ، يرشح الماء من أرضها لقربها من ترعة ، ولا يتمكن من القراءة والكتابة إلا على مصباح صغير يضاء بالجاز فيملأ الحجرة دخاناً ، ويستمر فيها نحو تسعة أشهر ؛ وأحياناً يبلغ به سوء الحال مع الرغبة الشديدة فى الكتابة أن يصنع الحير من قباب (۱) (۲) الفرن ، ويضيف إليه بعض قرط السنط ، ويتخذ أقلامه من الحجناء ) . وهو على كل ذلك صبور ، يعزّيه أن يجد من أهل المروءة ما يخفف كربه ، ويضمد جرحه ؛ « فمحمد معبد ) الحلاق ( بشباس الشهداء ، يُؤويه في بيته ، ويغمره بفضله ، وينفق عليه ما يحرم منه أسرته ؛ و ( أحمد جوده ) الفلاح بصاحبه في انتقالاته في الظلام الحالك ، ويعرض نفسه من أجله المخاطر. لشد ما أتعب نفسه فى استخفائه ، وأتعب الناس معه ، ولكن ما أكثر ما أمتعهم أيضاً بأحاديثه وفكاهاته ، ووعظه وسمره . وأخيراً نزل ) بالجميزة » فعرفه عمدتها وكتم أمره ، ولكن رجلا اسمه حسن الفرارجى كان جنديا ثم استخدم جاسوساً عرفه فكتب إلى السراى وإلى الداخلية ، فأمرت بالقبض عليه ، وذهب وكيل حكمدار الغربية ومعه قوة من الجند فالتفوا حول البلدة ؛ وأراد ( النديم ( الهرب بحيله القديمة فلم يستطع ، فاستسلم . وكان من حسن حظه أنهم لم ينتبهوا إلى أوراقه ، وكان في بعضها هجاء شديد للخديو توفيق لو اطلعوا عليه لتغير مجرى حياته . وكان القبض عليه في صفر سنة ١٣٠٩ هـ . واستخفاؤه فى ذى القعدة سنة ۱۲۹۹ هـ . وأرسل إلى طنطا للتحقيق معه ، وكان وكيل النيابة إذ ذاك قاسم بك أمين ، فأحسن معاملته ، وأمر بأن ينظف مكانه فى السجن ، ويضاء كما يريد ، وأن يمكن (1) الهباب : الغراب . (٢) الحجناء : نبات معروف بمصر