صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/26

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

حيث استولت على بلد نفذت تعاليمها بالقوة ولم تنتظر حتى يؤمن الناس بدعوتها ؛ فلما دخلوا مكة هدموا كثيراً من القباب الأثرية ، كقبة السيدة خديجة ، وقبة مولد النبي ، ومولد أبي بكر وعلى ؛ ولما دخلوا المدينة رفعوا بعض الحلى والزينة التي كانت على قبر الرسول ؛ فهذه كلها أثارت غضب كثير من الناس وجرحت عواطفهم . فمنهم من حزن على ضياع معالم التاريخ. ومنهم من حزن على الفن الإسلامى . ومنهم من حزن لأن مقبرة الرسول الله وفخامتها مظهر للعاطفة الإسلامية وقوة الدولة ؛ وهكذا اختلفت الأسباب واشتركوا في الغضب . والوهابيون لم يعبثوا إلا بإزالة البدع والرجوع بالدين إلى أصله . قد اهتموا بالناحية الدينية وتقوية العقيدة وبالناحية الخلقية كما صورها الدين . ولذلك حيث سادوا قلت السرقة والفجور وشرب الخمور وأمن الطريق وما إلى ذلك ؛ ولكنهم لم يموا الحياة العقلية ولم يعملوا على ترقيتها إلا في دائرة التعليم الدينى . ولم ينظروا إلى مشاكل المدنية الحاضرة ومطالبها . وكان كثير منهم يرون أن ما عدا قطرهم من الأقطار الإسلامية التي تنتشر فيها البدع ليست ممالك إسلامية . وأن دار هم دار جهاد ؛ فلما تولت حكومة ابن سعود الحاضرة كان لا بد أن تواجه هذه الظروف، وتقف أمام منطق الحوادث . ورأت نفسها أمام قوتين قويتين لا مَعْدَى (١) لها عن مسايرتهما : قوة رجال الدين في نجد المتمسكين أشد التمسك بتعاليم ابن عبد الوهاب والمتشددين أمام كل جديد فكانوا يرون أن التلغراف السلكي واللاسلكي والسيارات والعجلات من البدع التي لا يرضى عنها الدين . وقوة التيار المدنى الذى يتطلب نظام الحكم فيه كثيراً من وسائل المدنية الحديثة كما يتطلب المصانعة والمداراة . فاختطت لنفسها طريقاً وسطاً شاقاً بين القوتين . فقد عدلت نظرها إلى الأقطار الإسلامية الأخرى وعدتهم مسلمين. (۱) لا معدى : لا بد .