صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/264

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٤٢ –

٢٤٢ الإرادة السلطانية بتعيينه مفتشاً للمطبوعات بالباب العالي بمرتب ٤٥ جنيهاً مجيديا مضافة إلى الخمسة والعشرين التي يتقاضاها من مصر - ينفق كل ذلك على نفسه وإخوانه ، ومن يبره من أهله وأقاربه ؛ ومن أيام المنصورة عُرف بأنه صناع القلم واللسان ، أَخْرَقُ اليد (١). دخل الآستانة ، فدخل القفص الذى دخل في مثله جمال الدين الأفغاني ، وغاية الأمر أن قفص جمال الدين ضَيّق من ذهب ، وقفص النديم واسع من حديد يختلفان بمقدار الخطر من كل منهما ومكانته وحسبه ونسبه ؛ فالسيد جمال الدين يخصص له بيت فخم ، ويجعل تحت أمره عربة وخدم وحشم ، ويُجرى عليه ٧٥ ليرة في الشهر ، وتعرض عليه مشيخة الإسلام فيأبي ؛ وعبد الله نديم يمين مفتشاً للمطبوعات بخمسة وأربعين ليرة، ولا يت ولا خدم - ولا غرو فالسيد جمال الدين سيد في طبعه وحسبه ونسبه ، كان يعد نفسه قرينا للشاه والسلطان ، لا يقل عنهما إلا بما شاء القدر من تحليتهما بالملك وعطله منه ؛ وعبد الله نديم يرى أنه من الشعب وابن الشعب وخادمه ، لا يمتاز إلا بما منحه الله من ذكاء ولَسَن . إذا دعا السيد جمال الدين إلى الإصلاح شعر بأنه يخطب الناس من أعلى مكان يشرف عليهم ، وهو غَضُوب وقور ؛ وإذا دعا « النديم ، شعر بأنه واقف في وسطهم يضحك لهم ويضحك منهم ويصلحهم . ولهذا كان جمال الدين جليلا يسمع لقوله في رهبة وخشية ، وينصح الناس وكأنه يضر بهم بالسياط ؛ وكان النديم محبوباً يقابل بالابتسام ، ويُقبل قوله فى فرح ومرح ؛ ولذلك كان أسف الناس في مصر على فراق النديم أكثر من أسفهم على فراق جمال الدين ، لأن سُؤدُدَ ، (٣) جمال الدين في الخاصة وسؤدد النديم فى العامة . (1) أخرق : أحمق ، لا يحسن التصرف؛ وأخرق اليد كناية عن الإسراف . (۲) السؤدد : السيادة وعلو المقام