صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/265

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٤٣ –

وعجيب أن يقبل ( النديم ) ( وظيفة ( مفتش المطبوعات ، وهو الذي كان ينال الأذى دائما من إدارة المطبوعات ؛ وأن يرضى أن يتحكم في الصحف ، وهو الذى كان يأبى أن يتحكم فيه أحد ؛ وأن يكون أداة لتقييد الحرية ، بعد أن كان داعية لتأييد الحرية !! ولكن يخفف من هذا أن « الوظيفة » كانت صورية مَحْضَة ، وكان الغرض منها أن يمنح المكافأة في مظهر غير وضيع . ها هو ذا في الآستانة قد عطلت كل مواهبه ، فلا خطابة ولا كتابة ، ولا تحميس ، وهو في وسط يكاد يختنق منه ، لا يفرج عنه إلا مجلس ولا تهييج و السيد جمال الدين ، يحادثه ويسامره ، وكل يشكو إلى صاحبه قفصه ولكن أنى لصاحب هذا اللسان أن يهدأ ؟ D لقد وقع في الخصومة مع أبى الهدى الصيادي ، كما وقع فيها معه السيد جمال الدين ؛ ولكن السيد عف اللسان في الخصومة الشخصية ، أما « النديم ) فويل لمن عاداه . كان أبو الهدى عجباً من العجب، إذا أرخت الدولة العثمانية في عهد عبد الحميد احتل كثيراً من صفحات تاريخها ، وكان مستقراً وراء الصفحات الباقية ، يرن اسمه في كل أنحاء المملكة من مصر وسورية والعراق وتونس والجزائر ، ويتقرب إليه الولاة في حَلّ كل عظيمة - أثبت به القدر أنه على كل شيء قدير . ، فقير المال والحسب ، دفعته المقادير إلى الآستانة ، وكان سورى من حلب ، ماهراً ذكيا وسيم المحيا ، ماضى العزيمة ، قادراً على معرفة نفوس الناس ومن أين تون، فتغلب على عقل السلطان عبد الحميد بأحلامه وتفسيراته ، والطرق ومشيختها، فربط نسبه بأعلى نسب ، فهو قرشی هاشمی علوى ، وهو في الطريقة رفاعي له الأتباع الكثيرون ؛ لا يعبأ بالمال يأتيه على كثرته فينفقه ويستدين ، لأن عز الجاه والسلطة عنده أقوى من عزّ المال .