صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/269

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٤٧ –

- ٢٤٧ - وقبح الجاحظ . أما شعره فأقل من نثره ، ونثره أقل من لسانه ، ولسانه الغاية القصوى في عصرنا هذا » . كان السيد جمال الدين يُعجب بقوة حجة النديم في المناظرة والجدل ، (1) وسرعة بديهته ، وشدة عارضته ) ، ووضوح دليله ، ووضعه الألفاظ وضعاً محكماً بإزاء معانيها إن خطب أو كتب تم هو شجاع لا يخاف ؛ يلده مواجهة العظماء ومنازلة الكبراء في غير خوف ولا وجل ، إلى تواضع مع العامة ومضاحكتهم ومؤانستهم وملاطفتهم ، لا يعباً بالقوة ولا يخاف البطش ، فإذا نازل أحداً وسلّط عليه لسانه كانت الكارثة ؛ نازل الخديو توفيق والاحتلال ، وأبا الهدى الصيادي ، ولكل جاهه وسلطانه الذي أذل أعناق الكثيرين ؛ كل ذلك وهو فقير يعيش من يده إلى فمه ، ما أتاه أتلفه ، وما وصل إلى يده بدده ، معتمداً على ربه الذى يرزقه كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " ضعيف الجسم، كثير الملل ، وربما كان ذلك هو السبب في موت أولاده جميعاً في طفولتهم، فقد رُزق قبل الاستخفاء بمحمد ، وعثمان ، و إلياس ، وفاطمة ، وعائشة ، وسكينة ، وخديجة . كما رُزق أيام الاستخفاء بحفصة، ورتا، وكلهم لم يعش طويلا . ومع هذا فهو - على مرضه - دائب العمل دائم الحركة ، لا يعتريه كلل .. (۲) ولا ملل . يود أن يخلد اسمه بالعمل ، بعد أن حرم تخليد اسمه بالولد . أعد نفسه إعداداً عظما بكثرة الخبرة وسمة التجربة . فكان كما حدث نفسه : « أخذت عن العلماء ، وجالست الأدباء ، وخالطت الأمراء ، وداخلت الحكام ، وعاشرت أعيان البلاد، وامتزجت برجال الصناعة والفلاحة والمهن عن (۱) شدة العارضة : قوة البيان وسرعة البديهة. (۲) خاص : ضامرة البطون لخلوها من الطعام . بطان عظيمة البطون لامتلائها بالطعام.