صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/270

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٤٨ –

٢٤٨ الصغيرة ، وأدركت ما هم فيه من جهالة ، وهم يتألمون ، وماذا يرجون ، وخالطت كثيراً من متفرنجة الشرقيين ، وألممت بما انطبع في صدورهم من أشعة الغربيين . وصاحبت حجماً من أفاضل الشرقيين المتعلمين في الغرب ، وعرفت كثيراً من الغربيين ، ورأيت أفكارهم - عالية أو سافلة - فيما يختص بالشرقيين ، والغاية المقصودة لهم ؛ واختلطت بأكابر التجار ، وسترت ما هم عليه من السير في المعاملة أو السياسة . وامتزجت بلفيف من الأجناس المتباينة جنساً ووطنا ودينا ؛ واشتغلت بقراءة كتب الأديان على اختلافها، والحكمة والتاريخ والأدب، وتعلقت بمطالعة الجرائد مدةً ، واستخدمت في الحكومة المصرية زمناً ، واتجرت برهة ، وفلخت (۱) حيناً ، وخدمت الأفكار بالتدريس وقتاً ، وبالخطابة والجرائد آونة - واتخذت هذه المتاعب وسائل لهذا القصد الذي وصلت إليه بمناء كساني تحول الشيخوخة فى زمن بَضَاضَة الصبا ، وتوجنى بتاج الهرم الأبيض بدل صبغة الشباب السوداء . فصورتى تريك هيئة أبناء السبعين ، وحقيقتي لم تشهد من الأعوام إلا تسعة وثلاثين » . وربما كان أعظم شيء فيه ثباته على مبدئه . باع نفسه لأمته حسبما يعتقد الخير لها ، ولم يتحوّل عن ذلك على كثرة من تحوّل في مثل مواقفه . هؤلاء زعماء الثورة العرابية حاولوا أول أمرهم أن يفكروا ما فعلوا ، فلما لم ينفعهم إنكارهم وعوقبوا عادوا وخضعوا ، وعاشوا في مسالمة ومهاودة . أما هو فلم ينكر ما قال ولقى في محبته الأهوال . وكان جديراً بمن لقى ذلك كله أن يهدأ ، وإذا هدأ فلا لوم عليه . ولكنه ظل يجاهد ، وينفى فيجاهد ، ويعفى عنه فيجاهد ، ويحذر فلا يحذر ؛ ويطمع فلا يطمع، حتى لقى مولاه . رحمه الله . (۱) فلح الأرض : شقها ، يعنى أنه اشتغل بالفلاحة .