صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/272

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٥٠ –

تعلم كما كان يتعلم ناشئة زمانه الدينيون ؛ لغة عربية ودين في مدرسة أسرته محلب - المدرسة الكواكبية ) - وكانت مدرسة تسير على الطريقة الأزهرية فيما يقرأ من كتب ، وما يتبع من منهج ، ولكنه أكمل نفسه بقراءته بعض العلوم الرياضية والطبيعية ، وأحضر له والده من علمه الفارسية والتركية ، وطالع بنفسه كثيراً من الكتب التاريخية ، وعنى بدراسة قوانين الدولة العثمانية . فلما أتم دراسته انغمس فى الحياة العملية ، وتنوعت أعماله، وتباينت اتجاهاته فمن محرر الجريدة رسمية ، إلى رئيس كتاب المحكمة الشرعية ؛ إلى قاض شرعى في بلدة من البلاد السورية ، إلى رئيس البلدية . ثم هو بين الحين والحين يعتزل الوظائف الحكومية فينشىء لنفسه جريدة فى حلب » اسمها الشهباء ، أو يشتغل بالأعمال التجارية ، أو يقوم بمشروعات عمرانية ؛ ومن كل ذلك يستفيد خبرة وتجربة بالحياة. وفى كل الأعمال الحكومية والحرة يصطدم بنظام الدولة ، و باستبداد الحكام، وفساد رجال الإدارة، فينازلهم وينازلونه ، ويحاربهم و يحار بونه ، و ينتصر عليهم حيناً ، وينتصرون عليه حيناً ، وسلاحه دائماً النزاهة والعدل والاستقامة ، وسلاحهم دائماً الدسائس واتهامه بخروجه على النظام ، ودعوته للشعب ، وما شاكل ذلك مما هو عادة الظالمين . وكانت البلاد التي يعيش فيها موبوءة بحكم ( عبد الحميد » لا يستطيع أن يعيش فيها حر صريح ، ولا ينجح فيها تاجر نزيه ، ولا موظف جرى مستقيم ؛ وهذا النوع من الحكم عدو كل كفاية ، وقاتل كل نبوغ ! ارتفع شأنه فى بلده، فكان يقصده أصحاب الحاجات لقضائها ، والمشاكل لحلها ، ورجال الحكومة أنفسهم يستشيرونه فيما غمض عليهم ؛ وهو في كل ذلك جرى، فيما يقول ؛ لا يقرّ ظالماً على ظلمه ، ولا يسالم جائراً لمنصبه أو جاهه . من أجل هذا غاضَبَ «عارف باشا ( والى ( حلب » وأخذ يعدد سيئاته وينقم عليه