صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/276

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٥٢ –

-TOY- نشر نتيجة دراسته فى مقالات كتبت في المجلات والجرائد ، ثم جمعت في كتابين : اسم أحدهما ( طبائع الاستبداد » ، والآخر « أم القرى » : الأول

في نقد الحكومات الإسلامية ، والثانى أغلبه في نقد الشعوب الإسلامية . لقد كان الحديث فى مثل هذه الموضوعات التي منها ( الكواكي » في طبائع الاستبداد » و « أم القرى من الموضوعات المحرمة ، لأنها تمس نظام الحكم من قريب ، وتفهم الشعوب حقوقهم وواجباتهم ، وتقفهم على مناحى الظلم والعدل، وتهيتهم للمطالبة بالحقوق إذا سلبت، والقيام بالواجبات إذا أهملت وهذا أبغض شيء لدى الحاكم المستبد . لذلك رأينا الشرق من بعد ابن خلدون أغلق هذا الباب ، ولم يفتحه أى باحث بعده ، وصار كتاب ابن خلدون مقدمة بلا نتيجة ، والعلوم التى حوفظ عليها واستمرت دراستها ، هي علم النحو والصرف واللغة والفقه ، لأنها لا تمس الحاكم من قريب ولا بعيد ، ولا تفهم الناس أين هم من حاكمهم وأين حاكمهم منهم . والأدب مداح للملوك والحكام يجعل ظلمهم عدلا وفسادهم صلاحا ، فإذا أعطاهم الحاكم قليلاً مما سلبه من أمتهم هلوا وكبروا ، ومجبوا من كرمه الحاتمى، وسخائه الذي لا نظير له ، والمؤرخون لا يؤرخون إلا شخصه فى حياته وأعماله وحرو به وزوجاته وأولاده، أما الشعب فلا شيء إلا أن يكون مزرعة للحكام. وأحب علم إلى الحكام المستبدين وأدعاهم لنصرته هو ما لا يتصل بالحكم ونظامه، ورجال الدين المقربون هم الذين يدعون إلى التسليم بالقضاء والقدر، ويستطيعون أن يولدوا المعاني من مثل « السلطان ظلّ الله فى أرضه » . أما علم الاجتماع وعلم السياسة والاقتصاد فلم يعرفه الشرق بعد ان خلدون بتاتا . كان هذا فى الشرق، على حين أن الغربيين بدأوا بعد ابن خلدون يبحثون في المجتمعات بحثاً واسعاً ، يتعرفون علل الجماعات وأمراضها وأنواع الحكومات