صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/279

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٥٥ –

- ٢٥٥ - لا بشريعتهم ، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدى ، فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس ، يسدها عن النطق بالحق ومطالبتها به والمستبد عدو الحق ، وعدو الحرية وقاتلها والمستبد يود أن تكون رعيته بقراً تحلب ، وكلاباً تتذلل وتتعلق ؛ وعلى الرعية أن تدرك ذلك فتعرف مقامها منه : هل خلقت خادمة له ، أو هي جاءت به ليخدمها فاستخدمها ؟ والرعية العاقلة مستعدة أن تقف في وجه الظالم المستبد ، نقول له لا أريد الشر، ثم هي مستعدة لأن تتبع القول بالعمل ؛ فإن الظالم إذا رأى المظلوم قويا لم يجرؤ على ظلمه . وقد بحث بحثاً مستفيضاً في علاقة الاستبداد بالدين ، ونقل عن الفرنج رأيهم في أن الاستبداد في السياسة متولد من الاستبداد في الدين أو مساير له . فكثير من الأديان تبث في نفوس الناس الخشية من قوة عظيمة لا تدرك كنهها العقول ، وتهددهم بالعذاب بعد المات تهديداً ترتعد منه الفرائص (۱) ؛ ثم تفتح بابا للخلاص والنجاة بالالتجاء إلى الأحبار والفسس والمشايخ، بالذلة لهم ، والاعتراف أمامهم ، وطلب الغفران منهم . والمستبدون السياسيون يتبعون هذه الطريقة فيسترهبون الناس بالتعالى والتعاظم ، ويذلونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال ، حتى لا يجدوا ملجأ إلا التزلّف لهم وتملقهم ! وعوام الناس يختلط عليهم في أذهانهم الإله المعبود والمستبدون من الحكام ، فيتشابه عندهم استحقاق التعظيم ، وينزهونهم عن سؤالهم عما يفعلون ، ولا يرون لهم حقاً في مراقبتهم على أعمالهم ، كما أنه ليس لهم حق فى مراقبة الله فيما يفعل !! ولهذا خلعوا على المستبد صفات الله كولى النعم ، والعظيم الشأن ، والجليل القدر ، وما إلى ذلك ! وما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله أو تربطه برباط مع (۱) الفرائص : جمع قريصة ، وهى لحمة بين الجنب والكتف ترتعد عند الفزع . الله