صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/282

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٥٨ –

- ٢٥٨ - يمثل بهم فيقولون إنه رحيم ، وإن نقم عليه بعض الأباة (1) ، قاتلهم بهم بغاة !! . مكانهم والحاكم المستبد يخاف رعيته كما تخافه رعيته ، بل خونه منهم أشد ، لأنه يخافهم عن علم وهم يخافونه عن جهل ، وقد اعتاد المؤرخون المحققون قياس درجة استبداد الحاكم بمقدار حذره ، ودرجة عدله بمقدار طمأنينته ، كما يستدلون على أصالة الاستبداد في الأمة بترف الحكام ، وإمعانهم فى البذخ ، وكثرة الحجاب. ومن دلائل تغلغل الاستبداد في الأمة استكناه لغتها ، فإن كثرت فيها ألفاظ التعظيم وعبارات الخضوع كاللغة الفارسية ، دلت على تاريخها القديم فى الاستبداد ، وإن قلت كالعربية قبل امتزاجها بغيرها - دلت على الحرية .. وعلى الجملة فأخوف مايخافه المستبد من العلم ، العلم الذى يعلم أن الحرية أفضل من الحياة ، والشرف أعزّ من المنصب والمال ، والحقوق وكيف تحفظ ، والظلم وكيف يُرفع ، والإنسانية وقيمتها ، والعبودية وضررها . وقد كان «الكواكبي» فى كل هذا يقرأ نتاج القراح التي كتبت في الاستبداد، وينظر إلى الدولة العثمانية في عهده، ويستملى منها آراءه وأحكامه . ثم عرض للاستبداد والمجد، ويعنى بالمجد رغبة الإنسان أن تكون له منزلة حب واحترام في قلوب الناس ، وهو مطلب طبيعي شريف ، ويبلغ عند بعض الأفراد درجة تجعلهم يتساءلون أيهما أقوى : الحرص على المجد أم الحرص على الحياة ؟ و «الكواكبي» من قبيل من يرى الحرص على المجد أقوى وأوجب من الحرص على الحياة ، ولذلك عاب على ابن خلدون رأيه في تقديم الحرص على الحياة (1) الأباة : جمع أبي ، وهو من يأبي الظلم ويستنكره . (۲) البغاة : جمع باغ ، وهو المعتدى والمنحرف عن الحق .