صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/286

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٦٢ –

الإنسان في ظل الاستبداد لا ينعم بلذة العزة والشمم والرجولة ، فلا يذوق إلا اللذة البهيمية لأنه لا يعرف غيرها .. والاستبداد يلعب بالأخلاق ، فيجعل من الفضائل رذائل ، ومن الرذائل قضائل : فيسمى النصح فضولا ، والشهامة تحيراً ، والحمية طيشاً ، والإنسانية حمقاً، والرحمة مرضاً ، كما يسمى النفاق سياسة ، والتحايل كياسة ، والدناءة لطفاً ، والنذالة دمائة وظرفاً L والاستبداد أفسد عقول المؤرخين ، فسوا الجبابرة الفاتحين عظماء أجلاء ، مع أنه لم يصدر عنهم إلا الإسراف في القتل والتخريب ، ثم أشادوا بذكر السلف علقاً للخلف . والاستبداد يفقد الثبات فى الخلق ، فقد يكون الرجل شجاعاً كريماً ، فيصبح بعوامل الاستبداد جباناً بخيلا . ولا أخلاق ما لم تكن ثابتة مطردة ! وأقل ما يؤثر الاستبداد في أخلاق الناس أنه يرغم الأخيار منهم على ألفة الرياء والنفاق ، ويعين الأشرار على فجورهم ، آمنين حتى من الانتقاد والفضيحة ، لأن أكثر أعمالهم تظل مستورة ، لا يجرؤ الناس على قول الحق أمامهم خوف العقبى وأقوى ضابط للأخلاق النهي عن المنكر بالنصيحة والتوبيخ وما إلى ذلك ، وهو في عهد الاستبداد غير مقدور لغير ذوى المتعة ، وقليل ما هم ، ويصبح الوعظ والإرشاد ملقاً ورياء . في الحكومات التي نجت من الاستبداد أطلقت حرية الخطابة والتأليف والمطبوعات ، ورني أن الفوضى فى ذلك خير من تحديد الحرية ، لأنه متى وضعت القيود نفذ منها الحكام ، وتوسعوا فيها حتى خلقوا منها سلسلة من حديد يخنقون بها الحرية.