صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/288

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٦٤ –

- ٢٦٤ في الغابات والخرجات (۱) ، يسطو عليها الفرق والخرق ، وتحطمها العواصف ، والأيدى القواصف. في الحكومة العادلة يعيش الإنسان حراً نشيطاً ، يستره النجاح ولا تقبضه L الخيبة ؛ وفي الحكومة المستبدة يعيش خاملا خامداً ، ضائع القصد حائراً . الأسير المعذب يسلّى نفسه بالسعادة الأخروية ، ويبعد عن فكره أن الدنيا عنوان الآخرة ؛ وقد جنى على المسلمين علماؤهم فأفهموهم أن الدنيا سجن المؤمن ، وأن المؤمن مصاب ، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه ، وهكذا مما ابتدعوه ، ويتغافلون عن حديث : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، وحديث معناه : ه إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم غرسة فليغرسها » ! وكل هذه المثبطات تحوّل الأذهان من معرفة أسباب الشقاء إلى إلقائها على عاتق القضاء والقدر. وقد أحكموا هذه المكيدة باختراع الأحاديث التي تجعل الخضوع للحاكم المستبد ديناً . وعلى الجملة فالتربية الصحيحة لا تمكن في ظل الاستبداد ! -

  1. # #

ثم الاستبداد - على الإجمال - يمنع الترقى . والترقى الحيوى الذي يسعى إليه الإنسان هو - أولا - الترقى فى الجسم صحة وتلذذاً ، ثم الترقى في الاجتماع بالعائلة والعشيرة ، ثم الترقى فى القوة بالعلم والمال ، ثم الترقى فى الملكات بالخصال والمفاخر . وهناك نوع آخر هو الترقى الروحى ، وهو الاعتقاد بأن وراء هذه الحياة حياة أخرى يترقى إليها على سلم الرحمة والإحسان - والاستبداد بالأمة عدو ذلك كله ؛ بل هو يحوّل الميل الطبيعى فيها إلى طلب التسفّل ، حتى لو دفعت إلى الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور ! وعندئذ يكون الاستبداد (1) الحرجات : جمع حرجة ، وهى مجتمع الشجر .