صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/295

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٦٩ –

وقال الرومى : إن تحميل الأمراء التبعة كلها غير سديد ، فما هم إلا نفر قليل من الأمة . والسبب الحقيقى فى نظره فقدان المسلمين الحرية بجميع أنواعها : من حرية التعليم وحرية الخطابة ، وحرية البحث العلمى ؛ فيفقد الحرية تفقد الآمال، وتبطل الأعمال ، وتموت النفوس، وتحتل القوانين ، وتسأم الأمة حياتها فيستولى عليها الفتور ورأى التبريزى أن السبب ترك المسلمين أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المفكر ، فاسترسل الأمراء في أهوائهم وشهواتهم ، وعدمت المراقبة عليهم . وقال الفاسي : إن السبب هو إعمال الناس الاهتمام بالدين ، حتى لم يبق له أثر إلا على أطراف الألسن ، وأسراؤهم مثلهم لا يترامون بالدين إلا بقصد تمكين سلطانهم على البسطاء من الأمة ، هذا إلى ظلمهم وجورهم . وقد كان المسلمون أعزاء يوم توثقت بينهم الرابطة الدينية ، فلما انحلت ضاعت الأخلاق ففتروا وخمدوا وأجاب المدنى بأن فقد الرابطة الدينية والوحدة الخلقية لا يكفيان سبباً لهذا الفتور العام . وعنده أن السبب تدليس رجال الدين وغلاة التصوفين الذين لونوا الدين بلون سيء فأضاعوه وأضاعوا أهله ؛ وذلك أن العلماء العاملين أهل لكل تجلة واحترام ، فلما حسدهم من لا يستحق هذه المنزلة سلكوا مسلك الزاهدين . العادة أن يلجأ ضعيف المقدرة إلى التصوف كما يلجأ فاقد المجد إلى الكبر ومن وقليل المال إلى التظاهر بزينة اللباس والأثاث ، فأفسد هؤلاء الدين بما أدخلوا فيه ما ليس منه ، كالعلم اللدنى (1) ، وترتيب المقامات ، ووراثة السر ، والرهبنة ، والتظاهر بالعفة ، والتبرك بالآثار ، والكرامة على الله ، والتصرف فى القدر . فحروا عقول الجهلاء ، واختلبوا قلوب الضعفاء كالنساء ، والنساء بذرنَ هذه (1) اللدنى : أى الذى يكون من لدن الله ، يلقى في النفس دون تعلم أو تلقين .