صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/304

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٧٨ –

- ۲۷۸ - لإصلاح المسلمين ، فدرس التاريخ الإسلامي فى دقة وإمعان يتعرف فيه الأسباب النتائج ، كما تدل عليه كتابته ، وساح في البلاد الإسلامية سياحة فاحصة منقبة ، و درس كل قطر إسلامي ومزاياه وعيوبه ، حتى إنه لما وضع روايته « أم القرى » أنطق كل عضو بعقلية قطره : النجدى يشكو من ضياع الدين ، والرومى يشكو من ضياع الحرية وسلطة المتعممين، والإسكندرى يشكو ضعف الأخلاق، والإنجليزي ينعى على المسلمين عدم المجتمعات وتبادل الرأى بالخطب والمحاضرات ونحو ذلك . اكتوى السيد جمال الدين الأفغاني من السياسة الأوربية ولعبها بالمسلمين ، فصب عليها جام غضبه ، واستغرقت حملته على السياسة الإنجليزية أكبر قسم في العروة الوثقى ، واكتوى الكواكبي بالسياسة العثمانية فكانت موضع نقده. نظر الأفغاني إلى العوامل الخارجية للمسلمين فدعاهم إلى أن يناهضوها ، ونظر الكواكبي إلى نفس المسلمين فدعاهم إلى إصلاحها ، فإنها إن صلحت لم تستطع السياسة الخارجية أن تلعب بهم . ولذلك كانت معالجة الأفغاني للمسائل معالجة تأثر ، تخرج من فمه الأقوال ناراً حامية ؛ ومعالجة ( الكواكبي » معالجة طبيب يفحص المرض في هدوء ، ويكتب الدواء فى أناة . الأفغاني غاضب ، والكواكي مشفق ؛ الأفنانى داع إلى السيف، والكواكبي داع إلى المدرسة . ولعل هذا يرجع أيضاً إلى اختلاف المزاج ، فالأفغاني حاد الذكاء حاد الطبع ، والكواكبي رزين الذكاء هادئ الطبع ، إذا وضعت أمامهما عقبة تخطاها « الأفغاني » قبل وتخطاها « الكواكبي » بعد ولكن من خير نقطة تتخطى ؛ فلا عجب أن كان الأفغاني دوى المدافع ، وكان للكواكبي خرير الماء يعمل في بطء حتى يفتت الصخرا . لو مكن له معرفة لغة أجنبية ، ووقف على ما وصلت إليه بحوث