صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/309

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٨٣ –

- ۲۸۳ يفهمون . وتجلت في صاحبنا سجاياه التي ذكرنا فى هذا الموقف ، فهو ذكي إذ فرق بين ما يفهم ومالا يفهم ، وهو معتد بنفسه إذثار على الاستمرار على هذه الحال ، وأبى أن يرضى بهذا الهوان ، واختزن هذا الدرس في نفسه، فتجلى فيما بعد في حمله عب: إصلاح الأزهر والعطف على أهله . عول أن يتجه إلى الزراعة فيكون فلاحاً كسائر أهله ، وصم على ألا يتعلم ، وصم أبوه على أن يتعلم ، فلما أكرهه أبوه هَرب إلى بلدة فيها بعض أقاربه ، وشاء القدر أن يلتقى بشيخ صوفى ، هو الشيخ درويش خضر خال أبيه ، فينقلب محمد عبده كأنه شخص آخر ، حتى كأن عصا سحرية مسته ؛ وهنا يتجلى فعل المصادفات في حياة العظماء ، فلولا هرب محمد عبده إلى هذه البلدة وملاقاته لهذا الشيخ ، لكان محمد عبده المشهور هو محمد عبده المغمور الذي لا يعرفه أحد إلا بلده ، ولكان شأنه شأن أى فلاح فى أى بلدة لا يسجل اسمه إلا في دفتر المواليد ودفتر الوفيات .. وشخصية الشيخ درويش من الشخصيات اللطيفة التي تظهر في بعض البيئات المصرية على قلة ، وقد شاهدت منها في حياتي شخصين . هي شخصية متصوفة تمتازة بنور البصيرة أكثر مما تمتاز بسمة العلم ، تعرف الدنيا وشئونها وتزهد في قيمتها عن علم لا عن غباء ، وخير عبادتها ذكر الله بالقلب لا باللسان ولا بالأوراد ، تعمل في الدنيا كما يعمل أهلها ولكن فى رفق وتسامح وميل إلى الخير . هي شخصية من أولئك الذين يرون الدنيا جسراً إلى الآخرة ، فلا بد أن يعبر الجسر في أمان ، يألمون لغفلة الناس وطغيان المادة عليهم وتورّطهم في المفاسد ؛ ويشفقون عليهم ويعملون ما أمكنهم لإنقاذهم فى هوادة ؛ يَشعُ النور في قلوبهم على وجوههم ، فيكون منظرهم وتصرفهم وحركاتهم وسكناتهم منظراً جذاباً يستدعى الحب والإعجاب . اتصل به محمد عبده فكان شخصاً آخر. ولم يكن ذلك عن عصا سحرية