صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/310

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٨٤ –

- ٢٨٤ ولا معجزة سماوية ، وإنما هي ظاهرة طبيعية . كان عند محمد عبده عقدة نفسية كونها شرح الكفراوى على الأجرومية، فاعتقد أنه لا يفهم ولن يفهم ، فما فائدة الاستمرار ؟ وحل الشيخ درويش هذه العقدة بأن أعطاه كتاباً سهلا في المواعظ والأخلاق ، وجعله يقرأ وأخذ الشيخ يشرح ، فإذا الطالب يفهم ، وإذا العقدة تحل ، ويعتقد محمد عبده أن فى الإمكان أن يفهم . ودرس آخر علمه له الشيخ ، وهو درس ( القيم » فقد كان محمد عبده كعامة الناس يرون مظاهر الحياة من مال وجاه وزينة وتفاخر وتكاثر في أعلى القائمة ، وأن المسلم - بنطقه بالشهادتين - سيد الناس ، ولا بأس بما ارتكب ، فمصيره الجنة ؛ فجاء الشيخ وتحا له هذه القائمة وأثبت غيرها ، وجعل القائمة الجديدة مطلعها العمل الصالح بدل المال والجاه ، وأن اسم الإسلام لا يصح أن يكون مخبأ ترتكب فيه الجرائم. فالإسلام عقيدة وعمل لا ألفاظ سيالة تنتهى بمجرد النطق، وأن المسلمين محاسبون على أعمالهم كفيرهم، وأن أكثر من يسمون مسلمين لا يصح أن يدخلوا في عداد المسلمين، وأن التعاليم الفاسدة ليست من الإسلام في شيء ، وأن أساس الإسلام وأساس العقيدة الصحيحة هو القرآن ، والقرآن وحده ، وأن خير عبادة هو تفهم معانيه . وكان الشيخ درويش متأثراً بتعاليم السنوسية التي تتفق مع الوهابية في الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الأول فى بساطته الأولى وتنقيته من البدع ، وذلك على أثر رحلته إلى طرابلس الغرب واجتماعه بأتباع السنوسى هناك . في سبعة أيام تغير محمد عبده الذي يريد الزراعة والتفوق على الشبان في ألعاب الفروسية إلى محمد عبده الذي يريد الصفاء الروحى والتعلم ، ليستطيع فهم القرآن وإعداد نفسه ليهتدى ثم يَهْذِى . فإلى الجامع الأحمدى إرضاء لوالدى وإرضاء لنفسى ، فقد اتفقت الإرادتان .