صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/316

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٩٠ –

في هذا الجو عاش صاحبنا نحو اثنى عشر عاماً ، من سنة ١٢٨٢ - ١٢٩٤ حيث نال شهادة العالمية من الأزهر . وفى هذا الجو المظلم كانت تلمع ثلاثة نجوم أضاءت جوانب نفسه : الشيخ درويش ، والشيخ حسن الطويل ، والسيد جمال الدين معهم كحديثه فالشیخ درويش كان يلقاه الشيخ محمد عبده في بلده في الإجازة من نصف شعبان إلى نصف شوال كل عام ، فيتم له ما بدأه منذ لقنه الدرس الأول في التصوف وتنقية العقيدة ، ويعرض عليه الشيخ محمد عبده ما درسه في العام وما في نفسه من أزمات ، فيتلقى ملاحظات الشيخ وإرشاده ؛ وقد لقنه درسين جديدين هامين : الأول نقده الشيخ محمد عبده لعزلته وعدم اتصاله بالناس وتصر عنايته على تكميل نفسه من غير اتجاه إلى إصلاح من حوله ، ولم يكتف الشيخ درويش في ذلك بالكلام النظرى ، بل حمله على أن يغشى المجتمعات في البلد معه ، و يتحدث إلى الناس ويعظهم ويذكرهم ، ويدعو محمد عبده للتحدث . ونصحهم كنصحه ، وهو درس انتفع به محمد عبده ونفذه طول حياته إلى نفسه الأخير. فإن زاد السيد جمال الدين شيئاً فى هذا الدرس فهو تعليمه كيف يختار موضوعات الكلام فى الإصلاح . والدرس الثاني الذي علمه له الشيخ درويش هو هدمه للنظرية الأزهرية التي تقول إن هناك علوما تعلم وعلوماً لا تعلم ، فكسر الشيخ درويش هذه الحدود، وقرر أن كل العلوم يجب أن تعلم ويجب أن يطلبها الطالب ما أمكن، ولا يستثنى من ذلك شيئاً ، إلا ما يتخذ شكل العلم وليس بعلم كالسحر والشعوذة ، أما المنطق والفلسفة والرياضيات وما إلى ذلك فليست بحرام، بل هي واجبة على طالب العلم . ومن أجل ذلك عاد الشيخ محمد عبده إلى الأزهر يطلبها فوجدها عند الشيخ حسن الطويل ، وهو شخصية غريبة ؛ ذكاء حاد ، ومعرفة بالرياضيات حتى كان يحل لطلبة دار العلوم ما أشكل عليهم من تمرينات