صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/330

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٠٤ –

- ٣٠٤ - نظري أن مسائل الحياة لا تجرى على المنطق دائماً وخاصة أيام الثورات . وحوادثنا القريبة فى ثوراتنا الحديثة أكبر شاهد على ذلك ؛ فكم انتقل رأى الكبراء من ناحية إلى ناحية تحت تأثير تيار الرأى العام . فالشيخ محمد عبده رأى كل الأمة في ناحية الثورة ، واشترك فيها المسلمون والأقباط واليهود ، ولم يشُدَّ عنها إلا أحد رجلين : رجل لا فى المير ولا فى النفير (1) ، وهو لا بد أن يكون في العير وفى النفير ، ورجل انضم إلى الخديو توفيق يشايعه ، وتوفيق باشا في نظر الشيخ محمد عبده لا يصح أن يكون أحد بجانبه بعد أن استعان بالدول الأجنبية في إخماد الثورة ، ومالأ الأجانب على قومه . أضف إلى ذلك أن الأمر آخراً لم يصبح أمر حزب أمام حزب ، بل أمر مصر أمام الإنجليز، فلا بد أن يكون مع قومه وينشد: وما أنا إلا من غَرِيةٌ إِن هَوَتْ غَوَيْتُ وإن رشد عَزِيةٌ أرشد فإذا نحن تساءلنا : ما أثر الشيخ محمد عبده في هذه الفترة ؟ قلنا إن له أثراً كبيراً اعترف به حزبه وخصومه والذين حققوا معه وحاكموه فقد نبه الأفكار إلى الإصلاح فيا كتب في الصحف وما تحدث في المجالس وما اتصل بالهيئات المختلفة ، فكان مصدراً كبيراً لشعور الناس بسوء الحال والحاجة إلى الإصلاح مهما اختلف هو وغيره فى طريق العلاج . وكان يعده أصحابه وأعداؤه من أقوى العقليات الموجودة إن لم يكن أقواها ، ومن أقوى الشخصيات التي تعمل الخير حسبما تعتقد من غير أنانية . فمن يوم أن عين في تحرير الوقائع وهو جم تم النشاط يحرر ويراقب ، ويتصل بالمصالح الحكومية ، ويغشى المجالس: مجلس رياض ، وعلى مبارك ، وسلطان ، وعرابي ، وطلبة ، والسراى . وفي كل هذه المجالس يقول ويجادل ، ويقنع ويقتنع ، ويثير الحماسة للعمل . وكان للثورة العرابية أسباب ، فكان هو سبباً من أسبابها ، ولكنه سبب بعيد ، لا كعبد الله (1) العير : القافلة تحمل المثونة . والنفير : القوم ينفرون للقتال .