صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/335

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٠٧ –

العقل والمنطق وزالت ثورته ، وخفت حدته . وحدث فى هذه الأثناء أن سافر الشيخ محمد عبده إلى « لندن » وكانت الثورة المهدية في السودان ، والإنجليز لم يثبتوا أقدامهم في مصر، ووعودهم بالجلاء تتابع ، فلعل فى رجال الإنجليز من أعضاء البرلمان من يُضفى إلى صوت الإنسانية وحق البلاد في الاستقلال ، فكان الشيخ محمد عبده وقد عاد إلى عمامته - في البرلمان الإنجليزي يحدث أعضاءه ، ويحدث رجال السياسة ، ورجال الصحافة وهو في كل ذلك وطنى مصرى مخلص يطلب الجلاء والوفاء بالوعود ، ويوضح حقيقة الحال فى الثورة العرابية ودسائس الأوربيين فيها ، وكراهية الشعب للحكم الأجنبى ، وأنهم يفضلون استبداد الحكام من أهلها على الأجنبى من غيرها مهما كانت سيرته ، ويهدّد بأن المصريين سوف لا يدفعون الضرائب ، وسيجعلون حكم الأجانب مستحيلا ، سواء أكانوا إنجليزاً أم فرنسيين ، ويقرر أن انتشار الأمية فى مصر لم يفقد أهلها الشعور الطبيعي برغبتها أن تحكم نفسها ، والإسلام الذي بين جوانحها يحرم عليها الاستسلام لغيرها ولكن متى خضعت القوة للحق ، ومتى ضُحيت المصلحة القومية للإنسانية، ومتى عفا الأسد عن فريسته ؟ لقد عاد الشيخ محمد عبده إلى باريس يائساً ، وزاد الأمر سوءاً أن نجحت إنجلترا في اضطهاد « العروة الوثقى » والتضييق عليها ، فاحتجبت بعد ظهور ثمانية عشر عدداً منها فى ثمانية أشهر، وسافر السيد جمال الدين إلى فارس ، وعاد الشيخ محمد عبده إلى بيروت ، فإن كانت العروة الوثقي » لم تخلق أشجاراً كما كانا D يؤملان ، فقد نثرت بذوراً تنتظر الجو الطبيعى والغذاء الصالح لتبدأ في النمو ولتكون بعد أشجاراً وإن انتفع بها الأعقاب يسكن الشيخ محمد عبده بيروت فانقطع عنه مدد الثورة والهياج السياسي