صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/336

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٠٨ –

- ٣٠٨ - الذي كان يمده به السيد جمال الدين، وعاد إلى طبيعته من ميله إلى الإصلاح العقلى والديني وتجنب السياسة، وكانت الظروف حوله تدعو إلى ذلك ، فقد فشلت الثورة العرابية ، وأقفلت جريدة العروة الوثقى ، ولم تنجح مفاوضاته مع الإنجليز ، وهو الآن يقيم في بيروت ، حيث الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد ، الذي يخنق الحرية ، ويملأ البلاد بالجواسيس يحصون على الناس أنفاسهم . لهذا كله كان الشيخ محمد عبده في بيروت عالماً ومعلماً فقط ، يملأ زمنه بالتأليف والتعليم ، شرح نهج البلاغة ومقامات بديع الزمان ، وأخذ يدرس تفسير القرآن في مسجدين من مساجد بيروت على الطريقة التي اتبعها بعد في مصر، لا يتقيد بكتاب في التفسير خاص ، إنما يقرأ الآية من القرآن ويفسرها من عنده بما يختار من التفاسير وبما يجتهد، ويستطرد في شرح أحوال المسلمين ونقدهم حسما تلهمه الآية . ودعى للتدريس في المدرسة السلطانية ببيروت فأصلح برامجها ونقلها إلى درجة أرقى بكثير مما كانت ، نقلها من شبه مدرسة أولية إلى شبه مدرسة عالية ، وشغل نفسه بالتدريس فيها أكثر الوقت ، فكان يدرس التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ الإسلامي، والفقه على مذهب أبي حنيفة ، واتخذ بيته ندوة للحديث العلمي والأدبى والسمر المقيد ؛ وكان لبقاً فى دروسه وأحاديثه ، يشتاق إليها المسلم والنصراني . وكان من آثار إملائه ودروسه فى بيروت ما كان أساساً لما نشره بعد في مصر من «رسالة التوحيد » و « شرح البصائر » النصيرية فى المنطق . وعلى الجملة فقد خلق فى بيروت حركة علمية راقية استفاد منها كثير من أهلها . ولم ينس الجرائد ، فكان يكتب فى جريدة « تمرات الفنون » مقالات