صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/341

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣١١ –

-11- وسار الشيخ محمد عبده على النحو الذى سنبينه . ونتساءل أيضاً : هل يلام الشيخ محمد عبده على هذا الموقف ؟ ونرى أيضاً أنه لو أعد نفسه ليكون زعيما سياسيا يرمي إلى تحرير وطنه المكان موضع اللوم فى هذه الخطة ، ولمد ذلك تراجعاً . ولكن يظهر من تاريخ الشيخ محمد عبده كله أنه لا يحب السياسة بل يلعنها ويلعن مشتقاتها ، ولم يشتغل بالسياسة إلا حين دفعه التيار فى الثورة العرابية ، أو حين كان تحت تأثير أستاذه السيد جمال الدين النارى المزاج فى « العروة الوثقى » . أما هو فيرى في نفسه أنه معلم منير عقول ، مفهم للحقوق والواجبات ، مصلح للعقيدة الإسلامية ، مدافع عن الإسلام . كان كذلك قبل الثورة ، وكان كذلك في بيروت، فلم يتنكر لمبادئه حين أفهم اللورد كروم موقفه بواسطة أصدقائه . ولعل هذا هو سبب ما نلحظه من فتور في العلاقات بين السيد جمال الدين والشيخ محمد عبده من ذلك الحين ، و «كل ميسر لما خُلق له » .

ماذا يصنع الشيخ محمد عبده فى مصر وقد عاد إليها ؟ إن مصر التي يدخلها اليوم غير مصر التي تركها . لقد أصبح كل شيء في يد الإنجليز، لهم في كل نظارة من يستبد بالأمر فيها دون الناظر ، حتى الداخلية وحتى التعليم وحتى الأزهر والمحاكم الشرعية . النظار قطع شطرنج يلعب بها الإنجليز، والمديرون في البلاد خاضعون للمفتش الإنجليزي ، والعميد الإنجليزي مقصد كل ذى حاجة ، والمقرَّب إلى الإنجليز مقبول الشفاعة ، مقضى الحاجة، واسع الجاه ، والمبعد عنهم معطّل الحوائج ، مضطهد ، محارب حتى في أدق الأمور - والخديو توفيق مسالم يأخذ بنصائح الإنجليز حتى في الجلاء عن