صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/345

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣١٥ –

17101 فهو في هذه الفتوى يعبر عن مذهبه ويبرر موقفه . والقارئ لهذه الفتوى يشعر بما يشعر الأستاذ به من مرارة وغيظ . على كل حال هذا مفتاح لفهم سياسته ، ، وما لاقي في حياته من . وفي إصلاحه من دسائس ، وفى شخصه من تهم ، وفى طريقه من عوائق .

عناء ، ، عاد الشيخ محمد عبده وهو يأمل أن يكون ناظراً لدار العلوم أو أستاذاً فيها ، فيعيد فيها ما بدأ ، وينير أذهان المعلمين لينيروا أذهان الطلبة ، ولكن لم يرض الخديو توفيق بذلك ، لأنه إذا فعل أوصل التيار الكهربائى إلى الأسلاك ، وهو تيار بغيض إليه ؛ ولعل الإنجليز أيضاً لم يرضوا ، ولو شاء والضغطوا . فمين قاضياً أهليا في محكمة بنها ثم الزقازيق ثم عابدين ، ثم عين مستشاراً في محكمة الاستئناف ؛ ولم يكن هذا غريباً ، فقد كان يعين فى القضاء أى مثقف ممن تمرن على المحاماة ولم تكن معه شهادة ، أو ممن تخرج فى دار العلوم أو نحو ذلك . ورأى نفسه وهو قاض - في بيئة من القضاة يدلون بمعرفتهم للقوانين الفرنسية وشروحها ، فأبت نفسه الطموح أن يكون أقل شأناً منهم ، فبدأ يتعلم اللغة الفرنسية وهو قاض فى عابدين ، وسنه إذ ذاك نحو الأربعين ، وجد فيها حتى بلغ شأو (١) لا بأس به ، وقد أطلعه تعلمها على ميدان فسيح استفاد منه كثيراً مما قرأ في اللغة الفرنسية ، وقد ترجم كتاب التربية لسبنسر بعد أن نقل من الإنجليزية إلى الفرنسية ، وكان يكمل تعلمه الفرنسية برحلاته إلى سويسرا وفرنسا، ويستمع إلى بعض المحاضرات ويقابل بعض العظماء ، وكما يقول هو : ليجدد نفسه . . وقد امتاز في قضائه بتحريه الحق وتقديره العدالة أكثر مما يقدر نصوص القانون ، ويرجع هذا إلى سعة أفقه ودراسته للشريعة الإسلامية وعدم تشكله (1) الشأو : الغالية.