صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/35

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- ۲۷ - فأصبحت الدولة وكل يوم تقتطع منها ممالك ، وكل يوم تعقد معاهدات تنقص حقوقها وتفرض عليها بالتهديد والوعيد . حكام في كل ولاية يحكمون البلاد بعقول ضيقة وشهوات واسعة ، ترف في المظهر، وسخف فى الخبر ؛ لا يقيدهم قانون ، ولا يردعهم عدل ، ولا يرون للشعوب حقا إلا أن تؤمر فتطيع ، وتنتهب فتصبر ؛ بل لا يكفيهم الصبر على المصيبة ، وإنما يتطلبون المدح والثناء عليهم فى ظلمهم وطريقة حكمهم ، فمن امتعض من ذلك فهو تاثر ، ومن شكا فهو كافر ؛ فأورث ذلك الهجرة عند . بإبائه ، والذل والهوان عند من لَصِقَ بأرضه . من احتفظ لا عناية بصحة ولا تعليم ، فالأمراض فاشية ، والجهل عميم ، والمسلمون في ذلك أسوأ حالا من المسيحيين ، لأن الجمعيات المسيحية في الأمم الغربية تمين مسيحي الشرق بفتح المدارس لهم ، ونشر التعليم ينهم ، والمسلمون حائرون بين إقدام على التعلم فى هذه المدارس مع التعرض لما يمس دينهم ، وبين الاحتفاظ بدينهم ومعه الاحتفاظ بجهلهم . والفقر ضارب أطنابه (1) بين الشعوب لضعف وجوه الاستغلال ، فلا زراعة صالحة ، ولا صناعة ناجحة، فهذه كلها تدار بيد أضعفها الفقر، وعقل أخره الجهل ، وعقيدة أفسدها التخريف ؛ ثم عدم اكتراث الناس لما تنتجه أيديهم وأرضهم ، إذ ليس يحميه عدل حكامهم . الجنود في الدولة لا تزال قوية شجاعة على رغم كل ذلك ، تحتقر الموت وتستعذبه ؛ وحالتها المعنوية عالية رفيعة ، ولكن لا نظام لها على النمط الحديث ، ولا نظام فى الإمداد بالآلات والعدد والغذاء ؛ فإن انتصروا في بعض المواقع فبفضل قوة إيمانهم وسمو روحهم ، وعلى الرغم من سوء تغذيتهم ، وضعف عدتهم . (۱) ضارب أطنابه : مطبق ، والأطناب : حبال الخيمة .