صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/358

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٢٦ –

- ٣٢٦ - والمنكوبين ، فماله أقله له وأكثره للإعانة والإغاثة والنجدة ؛ يصف شعوره في حريق ميت غمر فيقول : « لما قرأت وصف الحادثة كان لهب الحريق يأكل قلبي أكله الجسوم أولئك المساكين، ويصهر من فؤادي ما يصهر من لحومهم ، أرقتُ تلك الليلة ولم تغمض عيناى إلا قليلا ، وكيف ينام من يبيت يتقلب في يتم الله وله هذا العدد الجم من إخوة وأخوات يتقلبون في الشدة والبأساء ؟ أردتُ أن أبادر بما أستطيع من المونة ، وما أستطيع قليل لا يغنى عن الحاجة ولا يكشف البلاء ، ثم رأيت أن أدعو جمعاً من أعيان العاصمة ليشاركونى فى أفضل أعمال البر في أقرب وقت » . وكذلك فعل فى كثير مما أصاب البلاد من بلاء . وصوره السيد جمال الدين مرة أخرى فقال له : « إن بين برديك فرداً يخرج رأسه في بعض الأحيان » يشير إلى ما يعتريه من الحدة أحياناً ، كالذى كان منه مع الخديو عباس مما رويناه قبلُ ، وفى الدرس إذا سئل سؤالا سخيفاً ، وفى بعض تصرفاته ؛ ولكن هذه الحدة كانت أيضاً مصدر قوة له ، فكان يغضب لما يعتقده الحق ، وينفعل لما يصيب الناس من أذى ، والمنكوبين من مكروه ، ثم هذه الحدة أضفت عليه من المهابة والتوقير الشيء الكثير. وهو - مع هيئته وحدته - طيب القلب سليم الصدر ، وفى لأصدقائه لطيف الحديث ، سمح النفس ، ينصف الناس فى الحق حتى من نفسه ، أمير شيء فيه شجاعته الأدبية ، لا يدارى ولا يمارى ، ويقول ما يعتقد أمام أي عظيم ويعتمد فى شجاعته على ربه وإيمانه . وكم سببت له شجاعته وصراحته من متاعب احتملها في صبر وثبات ، علماً منه بأن المقدمة لا بد أن تتبعها النتيجة . وكان أهم خصائصه غيرته الشديدة على الإسلام والمسلمين ، هي محور أعماله و مصدر آلامه و آماله . حدثنی صدیق قال : «كنت أسير مع الأستاذ في «جنيف » من أعمال سويسرة ، وكنا نتلقى معاً بعض المحاضرات الصيفية في جامعتها ، فجاء ،