صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/36

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

وتلك حال لا تبشر بخير دائم . والأم الحمية حولهم كل يوم تعد جديداً من الآلات، وتستكمل نقصاً فى النظام ، وتتخذ الأساليب الخفية والظاهرة في الظفر بالأعداء ؛ فكيف ينفع بقاء القديم وسير الأمور في مجراها العتيق ؟ وهذه الدول من حولها أحست ضعفها ، وشعرت بدنو أجلها ، فهى كل يوم تنصيب الشباك حولها ، وتتقن صنعها فى دقة ومهارة ، ولكل دولة أساليبها في الحبائل ، وطرقها في الصيد ، وكل دولة تصطنع من الدولة رجالا هم عيونها وعُدتها ووسائلها . والمملكة خليط من عناصر شتى يختلف جنسها ، وتختلف لغتها ، ويختلف دينها، ولكل عنصر هوى ، ولكل جنس أسباب متصلة بأم أخرى تستهويها وتستنجدها . فلا المالية صالحة ، ولا الإدارة صالحة ، ولا الجيش صالح ، ولا الأمة متحدة النوازع والآمال والآلام وزاد الأمر سوءاً أن السلطان عبد العزيز جاء ناقماً على الحالة التي وصلت إليها الأمة ، وانتقد أخاه عبد المجيد فى تصرفاته ، وفى إسرافه فى شهواته ، وفى تبذيره المال ، وعدم نظره إلى شؤون الدولة كما ينظر إلى نفسه ، فأعلن أنه آت لإصلاح المفاسد ، والأخذ بيد الشعب ، والاقتصار على زوجة واحدة ، والاقتصاد في نفقات الحريم ، ولكن سرعان ما تبددت هذه الوعود ، وخطا في سبيل البذخ (1) والترف والنعيم والإسراف أضعاف ما كان ينتقده من أخيه ! وارتكب في عهده غلطتين كبيرتين : تقويته عواطف رعاياه المسلمين في أنهم أولى بالتفضيل في مزايا الدولة في المعاملة والمناصب ونحو ذلك ، وأن ليس يصح أن يساويهم رعاياه المسيحيون في ذلك ، فأوقد بذلك شعور البغضاء والحقد وحب الانتقام بين عناصر الأمة الواحدة ، ومهد الطريق للدول الأوربية أن تتدخل في حماية أهل دينها . (۱) البذخ : التعاظم