صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/373

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٣٧ –

۳۳۷ تم ذهب هذا كله ، ومات الشيخ محمد عبده ، وزالت الأحقاد وذهب الزبد جفاء ) و بقى ما ينفع الناس . لقد أيقظ الشيخ محمد عبده الشعور الديني ، وأشعر المسلمين أنهم يجب أن يهبوا من رقدتهم لإصلاح نفوسهم وتكميل نقصهم ، وألا يعتمدوا على الفخر بماضيهم ، بل يبنوا من جديد الحاضرهم ومستقبلهم . ودعا إلى أن العقل يجب أن يحكم كما يحكم الدين ، فالدين عُرف بالعقل ، ولا بد من اجتهاد يعتمد على الدين والعقل معاً حتى نستطيع أن نواجه المسائل الجديدة في المدنية الجديدة ، ونقتبس منها ما يفيدنا ، لأن المسلمين لا يستطيعون أن يعيشوا في عزلة ، ولا بد أن يتسلحوا بما تسلح به غيرهم ، وأكبر سلاح في الدنيا هو العلم ، وأكبر عمدة في الأخلاق هو الدين ، ومن حسن حظ المسلمين أن دينهم يشرح صدره للعلم ويحض عليه ، وللعقل ويدعو إليه ، وللأخلاق الفاضلة التي تدعو إليها المدنية الحاضرة . لقد خلف في هذه الآراء كلها مدرسة تأخذ بتعاليمه وتعتمد على آرائه ؛ منهم من أخذها عليه شفاهاً ، ومنهم - فى الأقطار الإسلامية المختلفة - من أخذها عنه بما نشره في كتبه ومقالاته ، وكانت مدرسته هذه مدرسة قوية الأثر واضحة المعالم . وحسبنا دليلا على هذا أن أكثر من تصدوا للإصلاح الديني أو الاجتماعي أو السياسي بعده كانوا من تلاميذه أو من أصدقائه المتأثرين به . وزاده قوة أثر أنه لم يكن يدعو إلى الإصلاح نظريا عن طريق التأليف أو الخطب والمقالات فقط كما يفعل بعض المصلحين ؛ بل كان يحاول دائماً أن يحول إصلاحه إلى عمل، وينغمس فى الحياة الواقعية ليتمكن من تنفيذ برامجه الإصلاحية . فإن مات وفى نفسه غُصة من أنه لم ينل ما يريد ، فمزاؤه أن الصالح من أفكاره لم يمت ، وظل يعمل فى موته كما كان يعمل في حياته . رحمه الله ؟ (۱) جفاء : باطلا . زعماء الإصلاح - م ٢٢