صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/375

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٣٩ –

- ۳۳۹ - المشاكل التي واجهها أكثر من ذكرنا ومن لم نذكر من المصلحين ، وسلك كل منهم مسلكا يتفق ومزاجه وتربيته وعقليته ؛ فمنهم من كان يرى مسالمة الأجانب والتفاهم معهم والاجتهاد في نشر العلوم الغربية ونظم الحكم الأجنبية وأساليب التعليم وبنها في الشعب حتى يقوى ، فيكون أهلا للاستقلال يطالب به ، ويستطيع أن يحافظ عليه إذا هو ناله ؛ كالسيد أحمد خان في الهند ، وخير الدين التونسي في تونس، وعلى باشا مبارك والشيخ محمد عبده في مصر. ومنهم من كان يأتي المسالمة والتفاهم مع الأجنبى بحال من الأحوال ، إذ كان يعتقد أن الحرية أولا والإصلاح الداخلي آخرا، ويرى أن لا فائدة من الإصلاح الداخلى ما بقى الاحتلال ، فالمحتل مهما كان كيساً لبقاً لا يسمح بالإصلاح الجوهرى ، لأنه يحاربه في الصميم من استعاره، كما نرى في السيد جمال الدين وعبد الله نديم . ثم كانت المدنية الغربية نفسها وما تحوى من أفكار وآراء وآداب تحمل في ثناياها حب الحرية ، وتبثّ فى نفوس قارئيها الشعور بحقوق الإنسان ؛ فالطبقة المثقفة ثقافة أجنبية ، سواء منها من ثقف فى الخارج أو في الداخل ، اطلعوا فيما اطلعوا على تاريخ المدنية الأوربية وكيف جاهدت الأمم في نيل استقلالها ، وكيف ناضلت في الحصول على حقوقها ، ثم كيف تنعم البلاد المستقلة بحريتها وتدبير شئونها بنفسها وتوجيهها أمورها لمصلحتها ، فترجموا هذه الأفكار وهذه المشاعر إلى أنهم ، فزادت في وعيهم ويقظتهم وتنبهم والمطالبة بحقوقهم ؛ ومن أجل ذلك شهد القرن التاسع عشر سقوط أكثر الممالك الإسلامية في يد الغربيين أولا ، وسهولة حكمها واستغلالها ثانياً ، ثم اضطرابها والمناداة باستقلالها وصعوبة حكم الأجنبي لها ثالثا ؛ بسبب ما أسلفنا من أسباب . وكان الجيل الجديد الذي نشأ فى عهد الاحتلال أقرب إلى قبول المدنية الغربية من آبائه ، كما كان أشد وعياً وتنبها ، حتى كان الفرق بين الأبناء والآباء في القرن