صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/376

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٤٠ –

التاسع عشر أوسع من الفرق الذى كان بين أهل القرن الثامن عشر والخامس عشر. ومع هذا ظل للقديم أثره والجديد أثره - ترى هذا في الملابس البلدية والملابس الأفرنجية، وفى نظم التعليم المدنية والدينية ، وفي المحاكم الأهلية والشرعية، وفي الاعتقاد بالسبب والمسبب و بناء العمل على ما أثبته العلم إلى جانب الاعتقاد بالحظ وأعاجيب القدر . ونشأ عن هذا اختلاف كبير فى العقليات لا اختلاف بسيط كالذي يكون بين أفراد الصنف الواحد ، ولكنه اختلاف كبير كالذي يكون بين الأصناف المتعددة - ولا تزال هذه الخلافات الكثيرة تصهر في بوتقة ) واحدة . ومن عمل المصلحين إشعال النار القوية تحتها حتى يتم امتزاجها ويذهب زبدها ، والزمن كفيل بذلك ، وغيرة المصلحين وحماستهم تعمل على سرعة الوصول إلى الغاية . ومما زاد الأمر صعوبة في تطبيق ظواهر المدنية الغربية في الشرق أنها نشأت بالتدريج في الغرب ، واتصلت كل الاتصال بتاريخه وأحداثه وبيئته الطبيعية والاجتماعية ، ثم جاءت إلى الشرق دفعة واحدة من غير تمهيد ، ودخلت على عادات وتقاليد ومواضعات موروثة تخالفها كل المخالفة ، فكانت المنازعات شديدة والصدمة قوية ، وفى المدنية الغربية ما لا يتفق ومزاج الشرق وأخلاقه ، وفيها ما هو ضار بالشرق وما هو نافع ، وتصفية ذلك كله أمر عسير يدعو إلى طول التفكير . ثم بدأ الوعى القومى للأم الشرقية يتنبه في أواخر القرن التاسع عشر، ووجد في كل قطر زعماء سياسيون يعلمون أممهم دروس الحرية وحقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم ، ويرسمون لهم الخطط في عرقلة الحكم الأجنبى ووضع الصعاب في سبيله . وجاء القرن العشرون فازدادت هذه الحركة قوة ، ولكن بدل أن يقدرها الغرب قدرها ، ويسايرها بملاينتها والنزول عن بعض سلطانه لها ، (1) البوتقة : الوعاء يذيب الصائغ فيه المعدن