صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/378

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٤٢ –

- ٣٤٢ - وتكشفت الحرب العالمية الثانية عن قلق عام ساد العالم كله ، وزلزلت المدنية الحديثة من أصولها ، وتنازعت المذاهب السياسية والاجتماعية ، واضطربت أصول الحكم ، وفقد العالم إيمانه بالنظم القديمة، ولم يهتد إلى ما يرضى عنه من نظم جديدة ، ولا يزال إلى اليوم فى عليانه . واشترك الشرق في هذا القلق، وزاد على ذلك قلقه الخاص نحو مستقبله وموقفه من أوربة ، وكل هذا القلق والاضطراب فى الشرق بعرض لأزمات خطيرة ، ومواقف دقيقة ، يُتلَسُ منها القادة الذين يوجهونه نحو الطريق الآمن ، والهداة الذين يرشدونه لبلوغ الغاية . ولم تكن مشاكل الشرق الاجتماعية بأقل تعقيداً من مشاكله السياسية . فقد كان الشرق يعيش على أساليبه القديمة الزراعية والصناعية والتجارية ، يزوع كما يزرع آباؤه الأولون زراعة مؤسسة على التقاليد الموروثة ، لا على نظريات العلم المدروسة ، تستخدم فيها الآلات التي استخدمت منذ فجر التاريخ . وكانت الصناعات ساذجة بسيطة ، وما أتقن منها كان قليلاً جداً، يتخذه الأغنياء والمترفون تحفة من التحف ، أو طرفة من الطرف ؛ والتجارة كانت على عهدها القديم في أساليب المعاملات والأخذ والعطاء . فجاءت المدنية الغربية وقلبت هذه الأوضاع كلها ، فالزراعة أسست على العلم واستخدم فيها آلات جديدة ، والصناعة التي كانت تعتمد على سواعد الإنسان وقوة الحيوان اعتمدت على البخار والكهرباء ، وأنتجت فى اليوم ما كانت تنتجه في سنين ، وتوالت المخترعات في كل باب من أبواب الصناعة فأكثرت الإنتاج ، وأرخصت الأثمان ، وبذلك استطاعت الصناعة الأوربية أن تغزو الصناعات الشرقية وتفتحها كما فتحت الآلات الحربية البلاد الشرقية . وكذلك الشأن في التجارة ، أصبحت لها أساليب جديدة، وأصبحت تقوم على الشركات أكثر مما تقوم على الأفراد ،