صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/379

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٤٣ –

وعلى رءوس الأموال الضخمة لا على رءوس الأموال الفردية القليلة، واخترعت أساليب للمعاملات جديدة تسهل عمليات الأخذ والعطاء . وهذه أيضاً وردت على الشرق مع الغزاة الفاتحين . هذا إلى أن القائمين بالتجارة في الشرق من الأوربيين كانوا أوسع علماً وأكثر خبرة وأرقى عقلاً ، فنجحوا في تجارتهم حيث لم يبق للتجار المواطنين إلا فتات الموائد . وأخيراً تنبه وعى الشرق من هذه النواحى كما تنبه وعيهم السياسي ، فأخذوا ، وأخذوا يستغلون الآلات الزراعية الجديدة ، وإن كان ذلك في حدود ضيقة ، يفهمون عظمة الصناعة الأوربية وقوتها ، ويقلدونها ويحاكونها ، وأدركوا أن الاعتماد على الزراعة وحدها لا يكنى لحياة الأمم ، فبدأ كثير من الأمم الشرقية يؤسس الصناعة بجانب الزراعة ، ويستخدم الآلات الصناعية الأوربية ويستغلها، ويفرض الضرائب على ما يأتى من الخارج لحماية الصناعة في الداخل . وكذلك الشأن في التجارة والمعاملات المالية ، فقد فهم الشرق طرق الغرب في التجارة وأساليبها ، وأخذ يكون الشركات وينشئ المصارف ويتعامل بعضهم مع الأوربي معاملة الند للند . ورقى الصناعة والتجارة والتوسع فيهما يخلق أهل البلاد عادة - بأخلاق غير الأخلاق الزراعية ، إذ يجعلهم أقدر على تحقيق مطالبهم، بحكم سهولة اجتماعهم، وبحكم سهولة احتكاكهم بأمثالهم من الغربيين . وساعد على التقدم في هذا الباب أن كان الباعث عليه شعور الناس أن ليس يمكن الاستقلال السياسي إلا بالاستقلال الاقتصادي، ولكن لما يزك المدى بعيداً أمام تحقيق الغاية من ذلك ، فالزراعة لم يتم تأسيسها على العلم ، والصناعة لم يتم بناؤها على النظام والسرعة والإتقان ، والشئون المالية لم تفهم حق الفهم ، ولم تستخدم حق الاستخدام ؛ وهذا ما يجعلنا ننتظر النابغين من المصلحين في هذا الباب. ثم إن الشرق على العموم يعيش منذ القرن التاسع عشر على أساسين