صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/38

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

أنه إذا اختلت دولة من الدول يكون للدولة المجاورة الحق في طلب إصلاحها . وخطيب الجمعة يتحرى الحديث الذى يذكره فى الخطبة ، فلا يكون مما ينهى عن ظلم ، ولا مما يشير إلى حق رعية على راع ، ولا نحو ذلك ؛ ولذلك يغلب أن يكون الحديث : ( إن الله جميل يحب الجمال » . والجواسيس لا عِداد لها ، والجاسوسية سبيل الارتقاء ، وعشرة آلاف جندى يقفون للمحافظة على حياة السلطان وإظهار أبهته وجلاله إذا خرج للصلاة يوم الجمعة ، والقصر مملوء بالمشعوذين والدجالين من المشايخ ، يختلقون رؤيا يزعمون أنهم رأوها ، أو يفسرون حلما ، أو يوقعون بمن يقف في سبيل دجلهم . والأمور تدار، والمشاكل السياسية تحل ، بمثل هذه الرؤى ، وآراء هؤلاء الطعام (۱).

في هذه الأجواء عاش مدحت باشا وكافح وجاهد حتى مات . ما أشق الإصلاح على من يعمل فيها ! فأنفاسه معدودة عليه ، وحركاته وسكناته تسجلها الجواسيس . وهم لا يكتفون بما يعمل ، بل يزيدون عليه ما لم يعمل . ويؤولون ما يصدر عنه تأويلا يزيد فى ربحهم وقربهم . يخلص في عمله فيقال إنه يرمى إلى أخطر غاية ، ويعزل من عمله فيقال إنه يدبر المكايد ، ويبعد العمل خارج العاصمة فيقال إنه يسعى للاستقلال بولايته ، ويعمل للدستور فيقال إنه يريدها جمهورية ؛ وهكذا وهكذا . فى كل خطوة عقبة ، وفى كل فكرة وساوس ، وفى كل حركة دسائس ؛ وليس يحتمل مثل هذا إلا أولو العزم الذين يدأبون مهما عُذبوا ، ويعملون مهما اضطهدوا ؛ عقيدة تتملكهم أنهم ليسوا ملكا لأنفسهم ولا لأسرتهم ، إنما هم ملك لفكرة استحوذت عليهم . (1) الطعام : ضعاف العقول .