صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/383

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٤٧ –

٣٤٧ الحياة وكثرت مطالبها ، وعُد كثير من الأشياء ضروريا بعد أن كان يعد كمالياً ؛ وانتقلت أخبار الصناع والعمال في أوربة وما يعمل لرفاهيتهم إلى الشرق ، فدب في فلاحه وصانعه الوعى بأنه يجب أن يعيش عيشة معقولة مقبولة ، فتألم - وزاد في وعيه ما يواجه من غلاء الأسعار الذى لا يتفق ودخله ، فنشأ عن هذا كله ضرب من القلق والتذمر . وقد أخذت الحكومات تبحث أسباب الفقر وعلاجه وتعمل لإنقاذ الفقراء من فلاحين وصناع ، ولكن لم تصل في ذلك إلى الغاية المنشودة ، ولا تزال المشكلة تنتظر العلاج و بعد الحرب العالمية الأولى نشطت فى الغرب نظريات سياسية كبرى كالنازية والشيوعية والديمقراطية والاشتراكية، وكان لكل منها برامج سياسية واجتماعية واقتصادية ، وبعضها يعادى بعضاً أشد العداء وأعنفه ، وتسابق كل في الدعاية لمذهبه ، والتشهير بخصومه ، واشتدت هذه الدعاية فى الحرب العالمية الثانية ، وتفاءل المتفائلون بسلم ينعم فيها الناس بالطمأنينة والاستقرار ، ولكن خاب فألهم ، فاشتد النزاع بعد الحرب واحتدت الخصومات وتجاوبت النظريات ، وقويت الدعايات؛ وانتقل كل هذا من الغرب إلى الشرق فبلبل أفكاره ، وروع قادته ، وجعلهم يتساءلون: إلى أين المصير، وكيف المخرج من هذه المآزق ، وكيف تهدأ الأفكار وتطمئن النفوس ؟ وكان طابع القرن التاسع عشر فى الغرب طابعاً ماديا بحثاً ، فهو لا يؤمن إلا بالمادة ، والعلم عنده هو العلم بالمادة ؛ وما ليس ماديًا يخضع لأساليب البحث العلمى ليس إلا وهما . ونتيجة هذا أن القيم الأخلاقية والدينية والفنية في نظرهم ليست إلا أموراً اعتبارية لا حقيقة لها ، وقدَّس علم الطبيعة والكيمياء ، وتحول علم النفس إلى المادية ، فكل مظهر من مظاهر النفس - من أفكار و بواعث – ليس إلا نتيجة لمادة الجسم ، وفسر الكون كله وأحداثه تفسيراً