صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/384

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٤٨ –

- ۳۴۸ - من العلماء ماديا - فلما أتت هذه الأفكار إلى الشرق - وهو المعتز بدينه الفخور بروحانيته - غضب منها وغضب ممن اعتنقها ؛ وجاء بعض المصلحين كالسيد جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده يبين مزايا الدين ، ويرد على الملحدين ؛ فكانت من ذلك حركة عنيفة بين المؤمنين والجاحدين . وأخيراً جاء القرن العشرون وتقدمت البحوث العلمية في المادة وتكوينها ، فتبين لكثير أن المادة وحدها تعجز عن تفسير الكون تفسيراً صحيحاً يركن إليه ، فعادوا إلى الروحانية والقول بالدين ، وظهرت موجة الإيمان بعد موجة الإلحاد. وكان الشرق دائماً يتأثر بما يظهر فى الغرب . ومهما كان فى الغرب فالشرق مهد الأديان ، يؤمن بها ويركن إليها ، ويرى أنها سَنَده فى حياته ، وأمله بعد مماته . وهو مع ذلك يرى أن الدين الصحيح لا يحارب العلم ولا يقف فى سبيله ، فلكل مجاله ، ولكل مزاياه . ولكن ما هي حدود العلم وما هي حدود الدين ؟ ثم إن الدين يدخل عليه على توالى الأيام بعض الأوهام ، ويندس بين عقائده ما يتناقض مع أصوله ، فكيف ينقى هذا ويصفى ؟ كل هذا أيضاً عمل القادة المصلحين . هذا عرض سريع لما يعرض الآن للشرق من مشاكل ، وقد علمتنا الأيام أن الحياة تتجدد ، ومشاكلها تتجدد ، وكلما تركبت الحياة واتسعت المدنية والحضارة زادت مطالب الناس وتعقدت مشاكلهم . والأمة الموفقة هى التى رُزقت بمصلحين يغيرون لها السبيل في الليالي الظلماء ، ويوجهونها خير الجهات عند ما تقف حَيْرى فى مفترق الطرق ، فيقفون من أمتهم موقف الملاح الماهر ، فى الرياح العاصفة ، والأمواج المتلاطمة ، حتى تصل إلى بر السلامة . وعمل الصلح من أشق الأعمال وأصعبها ، فهو يحتاج فيما يعالجه من إصلاح إلى درس دقيق ، وتفكير عميق ، حتى يحيط بالمشكلة التي يواجهها جملة وتفصيلا،