صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/39

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

ومبدأ غمر مشاعرهم ؛ أما غيرهم فسرعان ما يعودون من منتصف الطريق ، سائلين الله السلامة ، مكتفين بأول عذاب نالهم ليستريح ضميرهم ، ويلقوا القيمة التبعة على سواهم . وكان مدحت من هؤلاء الذين فى خُلقهم حمية ، وفى طبعم تحد للشر، وثبات على الجهاد، وجلد على تحمل الألم حتى يلفظ آخر أنفاسه وعار عليه أن يتأوه .

ولد مدحت فى استانبول ؛ وكان أبوه ( الحاج حافظ محمد أشرف » عالما دينيا تولى بعض أيامه القضاء الشرعى فى بعض الولايات . فأنشأه أبوه تنشئة دينية ، فحفظه القرآن وهو فى العاشرة ، ولقب بالحافظ ، وهو لقب لكل من يحفظ القرآن من الأتراك، فكان اسمه الحافظ أحمد شفيق ؛ أما مدحت الذي غلب عليه فهو اسم ديوانى . والتحق بالديوان الهمايونى يتعلم الخط الديواني ، وتنقل مع والده في الولايات التي تولى فيها القضاء يتعلم في مكاتبها ؛ حتى إذا عاد والده إلى الآستانة ألحقه بأحد أقلام الحكومة يساعد الكتبة ويتعلم منهم بعض الوقت ؛ والبعض الآخر يقضيه فى جامع الفاتح، وكانت فيه حلقات الدروس تشبه حلقات الأزهر ، لكل شيخ حلقته وتلاميذه . فكان يتعلم هناك اللغة العربية والفارسية والدروس الدينية والنحو والمنطق والفقه والبلاغة والفلسفة التي كانت تسمى الحكمة ؛ وظل على هذه الحال إلى أن ناهز العشرين ، تلميذاً في دواوين الحكومة وتلميذا في جامع الفاتح . وهى ثقافة كما ترى ضعيفة ، فلا تاريخ ولا جغرافية ولا رياضة ولا لغة أجنبية ، ولكن قد يعلم الزمن العقل المستعد أكثر مما تعلمه المدارس النظامية والبرامج الثقافية ، ولذلك نراه يشعر بنقصه الثقافي إذا كبر فيطالع بنفسه الكتب . ولما جاوز الخامسة والثلاثين رأى الحاجة الثقافية والسياسية ماسة إلى تعلم لغة