صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/40

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- ۳۲ أجنبية ، فتعلم اللغة الفرنسية ، فكان يدرسها وهو يشتغل في ( وظيفته ) . وشيء آخر أفاده فائدة كبرى فى ثقافته العملية ، وهو سياحته في أوربة الدرس النظم السياسية والاجتماعية التى أصلحت من شأنها ، وعالجت بها أمثال المفاسد التي تعانيها تركيا ؛ فحصل على رخصة للسفر سنة ١٢٧٤ وسنه إذ ذاك نحو ست وثلاثين ، فأنفق في سياحته هذه نحو ستة أشهر ، زار فيها باريس ، ولندن ، وفينا ، و بلجيكا ؛ وكانت زيارته زيارة درس واستطلاع؛ كيف تنظم الدول ماليتها ، وكيف تسوس أمورها ، وما نظام الحكم فيها ، وما علاقة شعوبها بملوكها ، وما أهم وسائل العمران عندهم ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي ملأت ذهنه ، وأراد أن يتطلب الإجابة عنها من كل مملكة زارها - وفى الوقت عينه أراد من سياحته أن يتقن اللغة الفرنسية التي تعلمها على كبر، فتم له ما أراد بعقله المتفتح ، وهمته العالية ، و استقامته التي أخذها عن دينه . ولذلك كان مزيجاً غريباً ، محافظة على الصلاة وسُبحة ، ومعرفة بشؤون الدنيا ، واطلاع واسع على تيارات العالم وأسس المدنية الحديثة ، ودَروشة ويقظة. أول ما لفت الأنظار إليه فى تركيا أنه شب صريحاً لا يتقن فن المجاملة ، حاد ا لا يكظيم، حاراً فى تنفيذ ما رأى فى وسط بارد بطىء ، مخلصاً لفكرته ، على حين أن كثيراً ممن حوله إنما يخلص لشخصه ؛ تربى في مدرسة كبرلى باشا ورشيد باشا وعالى باشا ، وتعلم منهم القوة والتصميم ، والقدرة على التنفيذ ؛ فلما خلفهم من لا يملأ كراسيهم اصطدم بهم . تولى محمد باشا القبرصلى « صدراً أعظم » ، وكان ينه وبين مدحت إحن وأحقاد ، واندلع لهيب الثورة إذ ذاك في البلقان ، واحتاجت إلى رجل شديد، فرماها القبرصلى باشا بمدحت . لعله يفشل أو يقتل فيستريح منه ، وإن نجح فلا بأس ، فأقل ما في الأمر أنه أبعده عن وجهه . فسافر مدحت ومعه قوة عسكرية ، وقضى ستة أشهر في قم الجبال ومغاورها يقبض