صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/43

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- وفى هذا الوسط الشائك جداً حاول مدحت باشا أن يضع إصلاحه ، فرأى أن الإصلاح الذى يجب أن يسود المملكة العثمانية هو الحكم الديمقراطى على نمط ما رأى في إنجلترا وفرنسا ، ومظهر هذا الحكم هو الدستور، وإنشاء المجالس ما النيابية ، وتمثيل كل عنصر من عناصر الدولة وكل قطر من أقطارها في هذه المجالس ؛ و بعبارة أخرى أن تحكم الأمة نفسها بنفسها لا أن يحكمها السلطان بإرادته ونوازعه والمقربين إليه الذين يخدمون أغراضهم ومصالحهم . كان يرى أن كل الأمم الأوربية مرت بهذا الدور الذي تمر به الدولة العثمانية، ولم ينقذها إلا الحرية ، فهى التي تربى الأمم ، وتحيي النفوس ، وترد المرء حقوقه وتشعره بشخصيته ، وتضمن له العدل ؛ والحرية هي التي تولّد الدستور الذي يبث الطمأنينة بين أفراد الأمة ، ويسوى بين الأفراد على اختلاف دينها وعناصرها فيؤلف بين قلوبها ، وهو الذي يتيح الفرص لكل كفء قادر ، ويسد الطريق أمام كل دساس ماكر . لقد عانت إنجلترا وفرنسا ما نعانى ، ووقع على أفرادها الظلم كما يقع علينا ، ولكنها نجت من ذلك كله بتحرير شعوبها ، ووضع دساتيرها ، والحزم في السير عليها ؛ ذلك حال انجلترا قبل دستورها و بعده ، وحال فرنسا قبل ثورتها و بعدها ، هدموا الاستبداد، وأحلوا محله حياة الحرية الصحيحة ، فلو فعلنا ذلك وأعلن السلطان الدستور، وسرنا عليه في حزم لا نتظمت إدارتنا وماليتنا ، وشعرت عناصر الدولة المختلفة بالتساوى بينها ومشاركتها في الحكم وتحقيق العدل فاطمأنت ، ولو فعلنا ذلك لم تجد الدول المختلفة وسيلة للتدخل في شؤوننا فكفت يدها ، وإذا تدخلت ظهر تعنتها فلم تجد رأياً عالما يساندها – بهذا الدستور يصبح الحكام فى كل ولاية مسئولين أمام البرلمان ، و بعبارة أخرى أمام الأمة ، فيفتح الحاكم عينا عينه ، ويحد من شهوته ، ويتحرى العدل، وإلا طار من منصبه .