صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/44

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

الدستور علم ينشر بين الشعب ، وغنى يسبب طمأنينة الشعب ، وعدل بين أفراد الشعب، ويقظة للرأى العام، وتفتح للملكات ، ونشاط للقدر التي كبها الاستبداد . فلا حياة للدولة العثمانية إلا بدراسة النظم الديمقراطية في الأمم الأوربية ، واختيار أنسبها مما يتفق وحالة الدولة وظروفها ومركزها ، ثم سَن تشريع لها ، ثم إحاطته بسياج من القوة حتى لا تتلاعب به أيدى العابثين المفسدين . إلى هذا انتهى مدحت بعد طول درسه وتفكيره وتقليبه وجوه الإصلاح المختلفة . لم يكن مدحت باشا وحده هو الذى يفكر هذا التفكير ، بل كان حوله شباب أحس إحساسه وشعر شعوره ، وأنكر الاستبداد ، وحاول الخلاص منه ، وعكف على قراءة التاريخ والسياسة ، والنظم الأوربية ، ووجدت جمعية في باريس على رأسها مصطفى باشا فاضل تنقد الدولة العثمانية ، ونظام الحكم فيها ، وتجاهد في طلب الإصلاح. ومصطفى فاضل هو صاحب الكتاب المفتوح المشهور الذى ترجمه فتحى زغلول باشا ( من أمير إلى سلطان » والأمير هو مصطفى فاضل هذا ، والسلطان هو السلطان عبد العزيز، والكتاب هو أول كتاب من نوعه يوجهه أمير عثماني إلى السلطان في مثل هذه الصراحة والقوة . كان رأس هذه الحركة وعقلها المفكر وحكيمها الرزين هو مدحت باشا . وجاء دور التنفيذ، يريد مدحت باشا ورجاله وشبابه الحكم الديمقراطي والدستور والحرية ويصطدمون بالسلطان عبد العزيز وحاشيته وأعوانه ، فهم لا يريدون ذلك - يرى مدحت أن لا أمل للحياة إلا بالشورى ، ويرى عبد العزيز أن الشورى تسلُّبه سلطانه ؛ يرى مدحت أن الدستور لا بد منه ، فهو يعيد إلى الأمة حقها في الإشراف على الحكم ، ويضمن العدل والمساواة ، ويبعث