صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/50

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

وفقدان الجميع الحرية يملؤهم خوفاً ، ويفقدهم رجولتهم ويخلقهم بأخلاق العبيد : من ذلة وضمة ، وعدم التفات إلا إلى المأكل والملبس ينالونه من أخس الطرق . وليس الذى وقعنا فيه من طبيعة الإسلام فى شيء ، فالإسلام يسوى بين الغني والفقير في الحقوق والواجبات ، وبين الوزير وراعى الغنم ، ويجعل أمرهم يينهم شورى ؛ وهذا السلطان يكره كلمة الشورى كما يكره الموت . والإسلام جعل من أهم قواعده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ وهذا السلطان لا يسمح لأحد أن يأمر بمعروف ولا أن ينهى عن منكر . إن الشورى الإسلامية نظمت في العصر الحديث بما يسميه الأوربيون البرلمان ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكل في المدنية الحديثة بحرية الصحف في النقد ، وحرية الأفراد والجماعات في التأليف، وإبداء الآراء في صراحة ، يستحسنون ما يرون ، ويستنكرون ما يرون ، ويخطبون كما يشاءون . فلا أحد معصوم ، ولا الحكومة معصومة، ولا الوالى معصوم ، وإنما الذي يقومهم ويخيفهم ويلزمهم الجادة يقظة الرأى العام وحريته في النقد ، وهذا هو ما سمى في القرآن : بالتواصى بالحق . كل هذا واضح جلى ولا بد منه ، ولكن إرادة السلطان عبد العزيز هي الصخرة التي تتكسر عندها كل هذه الآراء . أرض الدولة العثمانية أخصب أرض فى العالم، وهى مع ذلك أفقر أرض لهجرة كثير من أهلها بالظلم ، وإثقال كاهل من بقى بالضرائب . ولا شركات ، ولا مصانع ؛ فالقطن كثير في البلاد ومع هذا فالمنسوجات القطنية تجلب من أوربة ، حتى الطرابيش التي نضعها على رءوسنا ، وعلب الكبريت التي نشعل بها نيراننا تجلبها من الخارج ؛ وكل المواد الأساسية متوافرة عندنا ، ولكن لا عدل ولا أمن على المال ، فلا شركات ولا صناعات. ولا يتأتى العدل إلا بالقوانين العادلة ، والمحاكم العادلة ، وهذه لا تكون إلا بالحرية ، أى الدستور . كل من جاهر بالإصلاح