صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/54

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-17- وهكذا عكف هو وأعوانه على هذا الإصلاح الذي يتلخص في اختيار خير النظم الأوربية وأوفقها لحالة الدولة الاجتماعية ، والأخذ بيدها تدريجاً ، كلما ألفت خطوة انتقل بها إلى ما بعدها . ويعد القانون الأساسى للدولة ويرتب نظام مجلس المبعوثان ، فما ولى السلطان عبد الحميد حتى كان ذلك كله مُعَدا ، وتولى مدحت باشا الصدارة . وبعد أربعة أيام من صدارته بادر السلطان إلى إقرار القوانين ، وأعلن الدستور المؤسس على الشورى ، والمؤسس على اشتراك جميع الرعايا في شؤون تحسين الدولة من غير تفرقة بين عنصر ودين ؛ ونظم للدولة مجلسان : مجلس ينتخب من الأهالى ويسمى بمجلس المبعوثان ، ومجلس تعين الدولة أعضاءه ويسمى مجلس الأعيان . وتلى هذا الدستور المشتمل على ۱۱۹ مادة بالآستانة في محفل عام ( ١٤ من ذى الحجة سنة ۱۲۹۳ هـ ) وأمر بأن يكون العمل بمقتضاه في جميع أنحاء المملكة العثمانية ، وأطلقت المدافع من القلاع البرية والبحرية ، واستبشر الناس خيراً ، وأقيمت الأفراح والليالي الملاح . وكان يتضمن هذا الدستور حقوق الدولة وواجبات الوزراء ورجال الإدارة ، واختصاص كل مجلس من المجلسين ، وتنظيم المحاكم والديوان العالي والمالية إلخ ، وكل الدلائل تبشر بالخير . هذا مدحت أبو الدستور رئيس الوزراء ، وهذا السلطان عبد الحميد أتى بإرادة الأمة وهو مدين لها بجلوسه على العرش ، مدحت يؤيده وهو يؤيد مدحت ، والكل يخضع للنظام والحكم الديمقراطي ، فماذا ينتظر بعد ذلك إلا الخير !! هكذا قال الناس ، وهكذا قال مدحت . لعله أخطأ إذ بالغ فى التفاؤل أكثر مما يلزم ، وكذلك أكثر عظماء الرجال تسحرهم الفكرة ، ويلعب بكبهم المبدأ ، فلا يرون منه إلا النواحى البراقة ، كالفنان يرى فى شجرة الورد أزهارها ولا يرى أشواكها . استخف بقوة الرجعيين ،