صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/57

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

جاسوساً سمع ضابطاً يقول لصاحبه في أحد المقاهي إن مدحت سيكون رئيس جمهورية ، فاكتفى مدحت بهذا ولم يفتح الثاني ، وقال : ( إن بلادي التعيسة كمريض حضره نطس (۱) الأطباء ، وعالجوه حتى كاد يبل من مرضه ، فاندس . عدو له فسقاه سما قضى على حياته » ، وأذعن للأمر وركب الباخرة ( عز الدين » لساعته من غير أن يرى أهله . وخاف السلطان من الرأى العام ، فطلعت الجرائد ومن ضمنها « الجوائب » ترمى مدحت بأفظع التهم ؛ هذه تقول إنه ضبطت أوراق تدل على خيانته ، وهذه تقول إنه أراد أن يجعلها جمهورية ، وهذه تقول إنه قد أوقع الدولة في مشاكل خطيرة ؛ وأدى الشعر رسالته ، وأنشئت فيه قصائد هجاء بليغة . وأظهر كثير من المعممين ابتهاجهم ، وقالوا إنه يريد فصل السلطة الدنيوية عن السلطة الدينية . والذى يقارن بين الجرائد منذ أربعة أيام وبينها اليوم يعجب لهذا الانقلاب الغريب من مديح رنان إلى هجاء رنان . وسكت الناس بين الدهشة والعجب ، والشك واليقين ؛ وشرد رجال مدحت ممن أخلصوا له ولمبادئه . ووسط هذه البلبلة الفكرية صدر الأمر الشاهانى بتعطيل الدستور تعطيلا مؤقتاً ، ولكن ألا تعرف - أيها القارئ الكريم - مدة هذا التعطيل المؤقت ؟ ثلاثون سنة ! ! لم يكن الرأى العام حذراً فخُدِّر ، ولا عاقلا فخدع ، ولا قويا فامتهن . - ٤- هذه الباخرة « عز الدين » تمخر البحر لتقذف به في ثغر من ثغور أوربة ، وقد ضاعت كل آماله ؛ فكل ما حَزَر (۲) من تقدير الثورة ونتائجها، والدستور وثباته ، والسلطان عبد الحميد وخضوعه لإرادة الأمة ، قضى عليه في لحظة ، وزال من (۱) فطس : ماهرون . (۲) حزر : خمن وقدر . م -