صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/58

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

الوجود في لمحة ، وعادت الدولة إلى ما كانت عليه قبل جهاده المتواصل ، وكدحه المتتابع ، وكل ما في يده الآن غضب السلطان عليه وعلى أتباعه ، و بعده عن أهله ، وتجرده من ماله . لو أن أي إنسان عادى آخر مكانه العن الإصلاح والمصلحين، وترك الدولة تجنى جزاء ظلم سلاطينها ، وانتظر حتى ينشفى بمنظر الفساد يهد أركانها ، ويفتخر بأنه نصح فلم ينتصحوا ، وأنذر فلم يُصنُوا ، فارتاحت نفسه بصدق ما تنبأ ، وحدوث ما أنذر . ولكن لم يكن مدحت في شيء من هذا ، فما مرت هذه الخواطر بنفسه حتى طاردها ، وأخذ يفكر من جديد في وسائل إصلاح ما كان ، وتعجب من نفسه فوصفها بقوله : « إن حب الإصلاح قد اختلط بدمى فكان كالمرض المزمن لا يبرأ منه ، فكر سريعاً ، ووصل إلى النتيجة سريعاً ، فرأى أن روسيا تحارب بلاده وتجمع لها جيوشها الجرارة ، ويذهب القيصر بنفسه إلى ميدان القتال لتحميس الجند ، والدول كلها تتنبأ بنصرتها ، فواجبه - إذن - أن يؤلب الدول على روسيا ما استطاع ، ويبين لكل منها الأضرار التي تنالها من هزيمة الدولة العثمانية، وتعديل خريطتها . فهو فى أسبانيا يتصل بساسة انجلترا وفرنسا ، ويحاول إقناعهم بآرائه ، ثم يذهب إلى إنجلترا لهذا الغرض. ويُبرق إلى المابين يقول : « قد سعيت مدة إقامتي فى عاصمة بلاد الإنجليز بما يعود على دولتنا بالنفع ويرفع شأن حكومتنا ، وحاولت إقناعهم بعقد صلح يحفظ الدولة وعظمتها ، وأفتخر أنى وفقت إلى ذلك بعض التوفيق » ؛ ثم يذهب إلى فيينا لهذا الغرض ويترق فيقول : « أنا اليوم في (فيينا) أبذل الجهد لترويج نفس المساعى ... وآمل إخبارى بما يوافق مصلحة الأمة لأستعين به على أمنيتي الوحيدة ، وقد وقفت حياتى لتخليص الدولة من ورطتها ،