صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/71

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-11- نفسه نحو ثلاثة أشهر يحفظ من مفرداتها حتى استطاع أن يقرأ من كتبها ويترجم منها ، ثم توسع فى ذلك أثناء إقامته بباريس، ومع هذا فلم يحذقها كل الحذق . كم من الناس علموا أكثر مما علم ، وقرأوا أكثر مما قرأ ، ورطنوا أكثر مما رطن ، ولكن لم يكن لأحد منهم شخصية كشخصيته : ذكاء متوقد ، وبصيرة نافذة ، وتوليد للأفكار والمعانى من كل ما يقع تحت سمعه وبصره، واستقصاء للفكرة حتى لا يدع فيها قولا لقائل ( له سلطة على دقائق المعاني وتحديدها ، وإبرازها في صورها اللائقة بها ، كأن كل معنى قد خلق له ؛ وله قوة في حل ما يعضل منها كأنه سلطان شديد البطش، فنظرة منه تفكك عقدها . كل موضوع يلقى إليه يدخل للبحث فيه كأنه صنع يديه فيأتى على أطرافه ، ويحيط بجميع أكنافه ، ويكشف ستر الغموض عنه ، فيظهر المستور منه . وإذا تكلم في الفنون حكم فيها حكم الواضعين لها ؛ ثم له فى باب الشعريات قدرة على الاختراع ، كأن ذهنه عالم الصنع والإبداع ، وله لَسَن (1) فى الجدل ، وحذق في صناعة الحجة لا يلحقه فيها أحد إلا أن يكون في الناس من لا نعرفه ... » ه أما أخلاقه فسلامة القلب سائدة في صفاته ، وله حلم عظيم يسع ما شاء الله أن يسع ، إلى أن يدنو منه أحد ليمس شرفه أو دينه ، فينقلب الحلم إلى غضب ، تنقض منه الشهب ، فبينما هو حليم أواب ) ، إذ هو أسد وثاب ؛ وهو كريم يبذل (۲) ما بيده ، قوى الاعتماد على الله ، لا يبالى ما تأتى به صروف الدهر . أما خلقه فهو يمثل لناظره عربياً محضاً من أهالى الحرمين ، فكأنما قد حفظت له صورة آبائه الأولين من سكنة الحجاز . رَبعَة (۳) في طوله ، وسط في بنيته ، (۱) اللسن : الفصاحة . (٢) أواب : راجع إلى الاستغفار. (۳) ربعة : متوسط القامة .